فقه الانتظار وفقه المواجهة: ((جدلية النصر في فكر الإمام الخميني والإمام الخامنئي

م. د . ماجد كماش ديوان  كلية الامام الكاظم (ع) الجامعة أقسام واسط

المقدمة

مثّلت الثورة الإسلامية في إيران تحوّلًا نوعيًا في الفكر السياسي والفقهي المعاصر، حيث استطاع الإمام الخميني ومن بعده الإمام الخامنئي أن يعيدا صياغة مفاهيم دينية جوهرية في ضوء واقع الأمة وتحدياتها، وعلى رأسها مفهوما الانتظار والمواجهة، في سياق مشروع حضاري مقاوم ينشد النصر والتمكين. لقد خرجت هذه المفاهيم من الإطار التجريدي أو الطقوسي إلى فضاء الفعل التاريخي، لتصبح أدوات فاعلة في بناء الوعي وحشد الإرادة الجماعية في وجه الاستكبار والظلم.

إن فقه الانتظار في هذا الإطار لا يُفهم بوصفه انكفاءً على الذات أو انتظارًا سلبيًا للغيب، بل كحالة تعبئة روحية وعملية، تستوجب الاستعداد للنصر الإلهي بتهيئة الأرض وتمهيد المجتمع لظهور الدولة العادلة بقيادة الإمام المهدي (عج). وفي المقابل، يُجسّد فقه المواجهة الروح الجهادية الفاعلة، القائمة على رفض الطغيان والانخراط الواعي في ساحات المقاومة السياسية والثقافية والعسكرية، بوصفها واجبًا شرعيًا وتاريخيًا.

ومن هنا، تتجلّى جدلية النصر في فكر الإمامين، بوصفها تفاعلاً دائمًا بين الانتظار والمواجهة: الأول يمنح البُعد الغيبي والأخلاقي، والثاني يُحقق التغيير الواقعي ويكسر معادلات الهيمنة. ويسعى هذا البحث إلى استكشاف هذه الجدلية، وتحليل أبعادها الفقهية والفكرية، وأثرها في بلورة مشروع الأمة المقاوِمة والناهضة.

المبحث الاول : فقه الانتظار وفقه المواجهة: جدلية النصر في فكر الإمام الخميني

 المطلب الأول: فقه الانتظار في فكر الإمام الخميني 

اولا: مفهوم الانتظار في الفكر الإسلامي الشيعي.

الانتظار هو الترقب الإيماني لظهور الإمام المهدي (عج)، بوصفه الموعود الإلهي الذي سيقيم دولة العدل والحق. وقد تنوّعت مقاربات العلماء لهذا المفهوم بين من اكتفى بالبُعد الغيبي والتسليمي، ومن دعا إلى التمهيد العملي للظهور.

قال الشيخ المفيد: “الواجب على المؤمنين انتظار فرج الإمام والعمل بما يُقرّبهم إليه”([1]) .

وذهب الشيخ الطوسي إلى أن الانتظار لا يعني ترك العمل، بل الالتزام الدائم بالشريعة والسعي لإقامة العدالة([2]) .

الانتظار انتظاران: الانتظار الواعي والموجّه، والانتظار غير الموجّه. والثاني هو (الرصد) الساذج لعلامات الظهور: الصيحة، الخسف، ظهور السفيانيّ، الدجّال. ولست أنفي هذه العلامات، فقد وردت فيها روايات كثيرة في مجموعة روايات (الملاحم)، ولكنّني أُعارض أُسلوب (الرصد) في مسألة الانتظار، وأعتقد أنّ هذا الأُسلوب يحرِف الأُمّة عن واجباتها ومسؤوليّاتها في مرحلة الانتظار والأُسلوب الصحيح للانتظار.

أمّا الأوّل فهو (الانتظار الموجّه). وفي الانتظار الموجّه، يبرز العمل والحركة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله والجهاد. وهذا هو العلامة الكبرى لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، والعامل الأكبر لذلك؛ لأنّ الأمر يرتبط بسلسلة من السُّنن الإلهيّة الموضوعيّة في التاريخ والمجتمع، وهذه السُّنن لا تتحقّق إلّا بالعمل والحركة، والعلامات المذكورة في الروايات صحيحة على نحو الإجمال، ولكنّها في رأيي غير موقوتة بوقت خاصّ، وقد وردت روايات تصرِّح بتكذيب الوقّاتين.

يقول عبد الرّحمن بن كثير: «كُنّا عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه مهزم، فقال له: جعلت فداك، أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظر متى هو؟ فقال: يا مهزم، كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون»([3]). ويسأل فضيل بن يسار الإمام الباقر (عليه السلام): ألِهذا الأمر وقت؟ فقال (عليه السلام): «كذب الوقّاتون»([4]) .

إذاً، هذه العلامات تعني التوقيت الدقيق لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، والصحيح أنّها مرتبطة بأعمالنا، فصحيح أنّ الخسف والصيحة من علامات الظهور، ولكنّ عملنا هو الذي يقرّبهما ويبعّدهما، وهذا تصحيح وتوجيه ضروريّ لا بدّ منه لمفهوم الظهور؛ وهذا هو (الانتظار الموجّه).

الانتظار السلبيّ

من الطبيعيّ أنّ الأعداء حينما يفشلون في استلاب عقيدة المهدويّة من النفوس سيحاولون تشويهها في الأذهان. ولكن كيف يتمّ تشويه هذا المعتقد؟ يتمّ ذلك عن طريق القول: إنّ المهديّ سيظهر وهو الذي يصلح جميع الأمور، وليس علينا شيء! هذا تشويه لهذه العقيدة، وتحويلها من محرّك دافع إلى إطار لا فاعليّة فيه، ومن دواء مقوٍّ إلى داء مخدّر ومنوّم([5]) .

إنّ المنهج الذي يتّبعه البعض في البحث عن علامات ظهور الإمام(عجل الله تعالى فرجه) في بطون الكتب منهج سلبيّ بالتأكيد، ويجب علينا تصحيح مفهوم الانتظار، وتوجيه حالة الانتظار بالاتجاه الإيجابّي. والفرق بين المفهومين يتمثَّل في أنَّ المفهوم الأوّل يجعل دور الإنسان في الانتظار، دوراً سلبيّاً، والمفهوم الثاني يجعل دور الإنسان في عمليّة ظهور الإمام دوراً إيجابيّاً وفاعلاً، ويربطها بحياتنا وواقعنا السياسيّ والحركيّ، ومعاناتنا وعذابنا

عن منصور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يا منصور، إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إياس. لا والله، حتّى تُميّزوا، ولا والله حتّى تُمحَّصوا، ولا والله حتّى يشقى مَن يشقى، ويسعد مَن يسعد»([6]) .

إذاً، يرتبط ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه) بعملنا، وواقعنا، وابتلائنا، ومحنتنا، وسعادتنا وشقائنا، أكثر ممّا يرتبط بالعلامات الكونيّة المذكورة في الكتب. وهذا مفهوم يجب أن نعمّقه ونثبّته.

  • مَن ينتظر الآخر نحن أم الإمام (عجل الله تعالى فرجه)؟

بناءً على هذا المفهوم ينقلب الأمر، ويكون الإمام (عجل الله تعالى فرجه) هو الذي ينتظر حركتنا ومقاومتنا وجهادنا، وليس الأمر بالعكس؛ فإنّ أمر ظهور الإمام إذا كان يتّصل بواقعنا السياسيّ والحركيّ، فإنّنا نحن الذين نصنع هذا الواقع. وبالتالي، فنحن نستطيع أن نوطّئ لظهور الإمام، بالعمل، والحركة، ووحدة الكلمة، والانسجام، والعطاء، والتضحية، والأمر بالمعروف، وبإمكاننا أن نؤخّر ذلك، بالتواكل والغياب عن ساحة العمل، والتهرّب من مواجهة المسؤوليّات.

ثانيا: الانتظار في فكر الإمام الخميني.

انطلق الإمام الخميني من الفهم الحركي للإسلام، معتبرًا أن الانتظار لا ينفصل عن الجهاد والعمل لتأسيس الحكم الإسلامي، مما يشكّل قطيعة معرفية مع الفهم السلبي التقليدي.

1. رفض السلبية والجمود رفض الإمام الخميني تفسير الانتظار كحالة من السكون والركون للغيب، واعتبر أن الانتظار الحقيقي موقف نضالي ضد الظلم والاستكبار.

يقول: ” ليس الانتظار أن نجلس مكتوفي الأيدي ونطلب الفرج، بل أن نُهيّئ أنفسنا ونعمل لظهور الإمام عبر إقامة الحق”([7]) .

2. ولاية الفقيه والنيابة العامة رأى الإمام الخميني أن الفقيه الجامع للشرائط هو نائب عن الإمام المهدي (عج) في زمن الغيبة، وأن إقامة الدولة الإسلامية واجب شرعي لا يُؤجَّل.

يقول: “إن ولاية الفقيه استمرار لولاية المعصوم، وقيام الحكومة الإسلامية واجب في زمن الغيبة”([8]) .

3. الثورة الإسلامية كمظهر للانتظار اعتبر الإمام الخميني أن الثورة الإسلامية الإيرانية تُجسّد فقه الانتظار بمعناه العملي، وليست مجرد حركة سياسية، بل تمهيد واقعي لظهور الإمام المهدي (عج).

يقول: “إن الثورة الإسلامية تمثل البداية في طريق طويل نحو العدالة العالمية، وهي تعبير عملي عن انتظار الفرج الحقيقي”([9]) .

ثالثًا: انعكاسات فقه الانتظار في المشروع السياسي والاجتماعي للإمام الخميني

1. تحويل الانتظار إلى دافع للعمل: أدّى فهم الإمام الخميني الحركي للانتظار إلى تعبئة الجماهير لمواجهة الظلم والاستبداد، مما جعل من الانتظار أداة للتغيير ورفض الواقع الفاسد، حيث رأى الإمام الخميني أن الانتظار الحقيقي للإمام المهدي (عج) لا يعني الركون أو السلبية، بل يستلزم العمل الجاد ومواجهة الظلم والطغيان.  فقد اعتبر أن المنتظر الحقيقي هو الذي يتحمل المسؤولية الشرعية في مواجهة الفساد والظلم في المجتمع.  هذا الفهم الحركي للانتظار دفع الجماهير إلى الثورة ضد النظام الشاهنشاهي.

“إن مفهوم الانتظار عند الإمام الخميني (قدّس سرّه) يمثل في الحقيقة بياناً لتكليف اعتقادي واجتماعي… فقد كان رحمه الله ينتقد مفهوم الانتظار عند أغلب المنتظرين في ظل النظام الطاغوتي، ويعتبر المنتظر الحقيقي لظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، هو العامل بتكليفه الشرعي في قبال المجتمع ومسيرته التكاملية.” ([10]) .

  2. بناء الدولة الإسلامية كوظيفة دينية: لم يرَ الإمام الخميني في تأسيس الجمهورية الإسلامية مجرد عمل سياسي، بل اعتبره واجبًا دينيًا تمليه مسؤولية التمهيد لظهور الإمام المهدي (عج).  فقد أكد أن تعطيل أحكام الإسلام خلال فترة الغيبة الكبرى غير مقبول، ويجب إقامة حكومة إسلامية تطبق الشريعة. “لقد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر،… في طول هذه المدة المديدة هل تبقى أحكام الإسلام مُعطلة يعمل خلالها الناس ما يشاؤون؟! ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج؟!” ([11])

الإمام الخمينيّ (قدس سره) أعظم الممهّدين :وفي هذا الصدد يقول الشهيد عباس الموسوي الامين العام الاسبق لحزب الله اللبناني (الإمام الخمينيّ هو أعظم من مهّد للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لأنّه بنى له جمهوريّة وسمّاها «جمهوريّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)». وعندما قدّم الإمام (هذه الدولة) للناس وللعالم قال: «هذه دولة القائم، جمهوريّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)». ولذلك، فإنّ التنافس والتسابق الأساسيّ الذي يجب أن يتسابق ويتنافس عليه كلّ المسلمين في العالم، هو في هذا المجال: من يقدّم أكثر للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ فهذا يقدّم جمهوريّة، وذاك يقدّم ثورة إسلاميّة ضدّ «الكيان الصهيونيّ»([12]) .

3. إعادة تعريف مفهوم الغيبة في فكر الإمام الخميني، لم تعد الغيبة مبرّرًا للركود، بل أصبحت محفّزًا لبناء الفرد والمجتمع وفق قيم الإسلام، بما يهيّئ الأرض لظهور الإمام المعصوم.”إن سيرة الأنبياء كانت تحمل هذا المعنى… إنهم كانوا يعارضون الطاغوت حتى لو فشلوا أو تعرضوا للقتل أو قدموا الضحايا في هذا السبيل. إذ هناك قيمة معنوية لوقوف الإنسان بوجه الظالم ورفضه الظلم والاستعداد لتوجيه الضربة الموجعة له حتى لا يتمادى أكثر بظلمه.” ([13])   

المطلب الثاني: فقه المواجهة في فكر الإمام الخميني

يُعدّ الإمام الخميني من أبرز المجددين في الفكر الإسلامي السياسي، وقد أسهم في إعادة بناء العلاقة بين الفقه والواقع، من خلال مشروع شامل للمواجهة مع قوى الهيمنة والظلم، داخليًا وخارجيًا. وقد شكّل “فقه المواجهة” أحد الركائز المركزية في مشروعه، حيث زاوج فيه بين الاجتهاد الأصولي والتحرك الثوري.

اولا:  مفهوم فقه المواجهة في فكر الإمام الخميني

فقه المواجهة في فكر الإمام الخميني ليس مجرد دعوة إلى النضال المسلح أو رفض الاستبداد، بل هو بناء فقهي متكامل يُعيد ترتيب أولويات العمل الإسلامي في ضوء مقاصد الشريعة وظروف العصر. وهو يقوم على تفعيل الفقه في مواجهة الظلم، ويستلهم من سيرة الأنبياء والأئمة في التصدي للانحراف السياسي والاجتماعي([14]) .

ثانيا: المرتكزات الأساسية لفقه المواجهة

  1. الولاية الإلهية ومواجهة الطغيان: يرى الإمام أن ولاية الفقيه امتداد لولاية المعصومين، وهي ضمانة لإقامة العدل، وتُعد أساسًا شرعيًا لمواجهة الأنظمة الجائرة([15]) .
  2. التحرر من التبعية: اعتبر الإمام الخميني الاستقلال السياسي والاقتصادي ركنًا في مقاومة الاستكبار العالمي، وخاصة الولايات المتحدة التي وصفها بـ”الشيطان الأكبر”، مؤكدًا أن التبعية تمثل نوعًا من العبودية الحديثة([16]) .
  • نصرة المستضعفين: جعل الإمام من الدفاع عن المستضعفين واجبًا دينيًا، ورأى أن نصرة الشعوب المظلومة جزء لا يتجزأ من رسالة الأمة الإسلامية([17]) .

ثالثا: فقه الأولويات وتحريك المجتمع

اعتمد الإمام مبدأ فقه الأولويات في مواجهة الأزمات، ورأى أن حفظ الإسلام والمجتمع الإسلامي يتقدمان على كثير من الأحكام الفرعية، بل قد تُعلّق بعض الأحكام إذا تعارضت مع حفظ كيان الأمة أو مقاصد الشريعة في وجه الظلم([18])

رابعا: الثورة الإسلامية نموذجًا عمليًا لفقه المواجهة

جاءت الثورة الإسلامية في إيران (1979) كتجسيد عملي لفقه المواجهة، حيث حوّل الإمام أفكاره الفقهية إلى حركة اجتماعية سياسية، أسقطت نظام الشاه، وأسست لنموذج “الدولة الإسلامية الفقيهة”، وبهذا أصبحت الجمهورية الإسلامية نموذجًا لحركات التحرر في العالم الإسلامي([19]) .

خامسا: الإرث الفقهي والسياسي

ترك الإمام الخميني إرثًا فقهيًا غنيًا يتجلى في كتبه مثل تحرير الوسيلة والحكومة الإسلامية، حيث أكّد على دور الفقيه في مقاومة الظلم وإدارة شؤون الأمة. وقد مزج في هذا الإرث بين النظري والعملي، وجعل من الفقه أداة لمواجهة الواقع السياسي والاجتماعي الفاسد([20]) .

المبحث الثاني : فقه الانتظار وفقه المواجهة: جدلية النصر في فكر الإمام الخامنئي

من القضايا الجوهرية في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر هي العلاقة بين “الانتظار” و”المواجهة”، وكيفية التعامل مع مفهوم النصر في ضوء العقيدة المهدوية والعمل الثوري. في هذا السياق، يتجلّى فكر الإمام السيد علي الخامنئي كمشروع متكامل يمزج بين الإيمان بالغيب والعمل الواقعي، بين العقيدة الثابتة والحركة المتغيرة.

هذا البحث يسعى لتفكيك هذه الجدلية وتسليط الضوء على أبعادها العقائدية والسياسية، وتقديم رؤية توعوية تمكّن الشباب المسلم من فهم مسؤولياته في عصر الانتظار.

 المطلب الأول: فقه الانتظار – بين الفهم السلبي والفهم الحركي

1. الفهم السلبي للانتظار

في بعض الأوساط، يُفهم الانتظار على أنه انعزال عن الواقع، وترك الأمور للغيب، والتفرغ للعبادة والخصوصيات الفردية، مما يؤدي إلى الجمود والاستسلام للظلم. وهذا الفهم يُناقض روح الإسلام.

2. الفهم الحركي عند الإمام الخامنئي

يرى الإمام الخامنئي أن الانتظار ليس حالة سلبية، بل هو أقصى درجات الوعي والتكليف. في قوله:”المنتظر الحقيقي هو من يعدّ نفسه من جنود الإمام، ويهيّئ نفسه ويهيّئ مجتمعه لاستقبال دولة العدل”([21]) .

وبالتالي، الانتظار يُحوّل الفرد إلى: عنصر إصلاح اجتماعي؛ ناشط ضد الفساد والانحراف؛ حامل للوعي والبصيرة.

المطلب الثاني: فقه المواجهة – واجب التحرك ضد الظلم

يُعد فقه المواجهة أحد الأعمدة الأساسية في البناء العقائدي والسياسي لفكر الإمام الخامنئي، والذي يرتكز على مبدأ قرآني عميق مفاده أن السكوت عن الظلم نوع من الشراكة فيه، وأن التحرك لمناهضته واجب شرعي وليس خياراً ظرفياً.

1. مبدأ المواجهة في الإسلام: قراءة قرآنية وروائية

إنَّ القرآن الكريم يضع مبدأ المواجهة كواجب إيماني يُميز المؤمن الفاعل عن القاعد السلبي، كما في قوله تعالى: “وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان…” [النساء:75]

هذه الآية تُبرز مسؤولية المسلمين في الدفاع عن المستضعفين، واعتبار الجهاد وسيلة لتحرير الإنسان من الظلم، لا مجرد أداء شعيرة حربية.

أما الروايات، فقد جاء عن الإمام علي (ع): “كونوا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً.” وهي قاعدة ذهبية ترسم خريطة موقف المسلم تجاه قضايا الظلم والهيمنة.

عند الإمام الخامنئي، هذه المبادئ ليست نصوصًا دينية فحسب، بل هي مفاتيح لبناء الأمة المقاوِمة: “الإسلام لا يعرف الحياد أمام الظلم، بل يوجب الوقوف ضده بكل الوسائل الممكنة”([22])

  • تطبيقات فكرية وعملية لفقه المواجهة عند الإمام الخامنئي

أ. الثورة الإسلامية كنموذج للمواجهة

الثورة الإيرانية عام 1979 لم تكن انقلاباً سياسياً فقط، بل تجسيداً عملياً لفقه المواجهة. فقد قامت على رفض الاستبداد الداخلي (نظام الشاه)، والاستكبار الخارجي (الهيمنة الأمريكية).

يرى الإمام الخامنئي أن هذه الثورة لم تكن فقط لإنقاذ إيران، بل لإعادة تعريف دور الأمة الإسلامية في العالم.

ب. دعم حركات المقاومة: واجب لا مجاملة

من أبرز تطبيقات فقه المواجهة في فكره هو دعم حركات المقاومة، وخاصة في فلسطين ولبنان، انطلاقًا من مبدأ “نصرة المستضعفين”. وهو يؤكد: “دعمنا لحزب الله وفصائل المقاومة في فلسطين ليس سياسة، بل واجب شرعي نابع من التزامنا بكتاب الله”([23]) .

هذا الدعم لم يقتصر على التصريحات، بل شمل التدريب، التمويل، الإعلام، بل وحتى التأطير العقائدي لمشروع المقاومة.

ج. الدفاع عن الشعوب المظلومة: نهج وليس شعار لم يكتفِ الإمام الخامنئي بإعلان المواقف، بل تبنى خطاباً إنسانياً – إسلامياً – عالميًا في الدفاع عن: فلسطين: بوصفها القضية المركزية للأمة؛ اليمن: حيث يدعو إلى مقاومة العدوان ورفض الحصار؛ سوريا والعراق: دعم محور المقاومة ضد الإرهاب التكفيري؛ لبنان: الدفاع عن كرامة الأمة في وجه الاحتلال.

في هذا السياق، يرفض الإمام فكرة الحياد بين الجلاد والضحية، قائلاً: “الساكت عن الظلم شريك للظالم، وإن لبس ثوب العلماء أو رفع شعار الاعتدال” ([24]) .

3. الأبعاد التوعوية والتكليفية لفقه المواجهة

فقه المواجهة ليس موجهاً للنخب السياسية فقط، بل هو رسالة لكل فرد مسلم، وخاصة الشباب، وتتضمن عدة أبعاد:

أ. البعد الأخلاقي: مواجهة الظلم تبدأ برفضه في القلب واللسان والعمل؛ الحياد أمام الجرائم ظلم بحد ذاته.

ب. البعد الثقافي: كشف وتعرية خطاب التطبيع والاستسلام؛ بناء وعي سياسي – عقائدي مقاوم؛ دعم إعلام المقاومة ثقافياً وأخلاقياً.

ج. البعد العملي: المشاركة في حملات نصرة المظلومين (فلسطين، اليمن… إلخ)؛ مقاطعة المنتجات الصهيونية والداعمة للاستكبار؛ دعم مشاريع المقاومة إلكترونياً وميدانياً.

فأن فقه المواجهة عند الإمام الخامنئي هو فقه الحياة الكريمة، وهو يربط بين الدين والواقع، بين العقيدة والسياسة، بين المظلوم والمقاوِم.

فهو يُحمل الأمة مسؤوليةً شرعية في عدم الركون إلى الظالمين، ويجعل من مقاومة الظلم شرطاً لتحقيق النصر الإلهي. ولذلك، فإن أي مشروع ديني لا يحمل همّ المواجهة، فهو مشروع ناقص أو محرّف.

المطلب الثالث: جدلية النصر – كيف يتحقق النصر

تُعدّ مسألة النصر في فكر الإمام الخامنئي محورًا مركزيًا في الرؤية الإسلامية الثورية، وهي ليست شعارًا حماسيًا أو حالة انتظار سلبي لفرجٍ غيبي، بل هي مفهوم مركب يستند إلى قواعد شرعية وعوامل واقعية. الإمام الخامنئي يرى أن النصر ليس حالة مفروضة من السماء دون مقدمات، بل ثمرة صبرٍ وبصيرةٍ واستقامةٍ وعمل متواصل.

1. النصر في القرآن: وعد مشروط لا مطلق القرآن الكريم وعد المؤمنين بالنصر، لكن ليس لكل من ادّعى الإيمان، بل لمن حقّق شروطه. ومن أهم الآيات في هذا الصدد: “ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” [الحج:40] “إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم” [محمد:7]

الإمام الخامنئي يعلّق على هذه الآيات بقوله: “النصر لا يُهدى إلى الشعوب، بل يُنتزع بالصبر والعمل والتضحية؛ إنه وعد مشروط بتحمل الأعباء والقيام بالتكليف”([25]) .

2. العلاقة الجدلية بين الانتظار، المواجهة، والنصر

في فكر الإمام الخامنئي، هناك سلسلة مترابطة من المراحل تُفضي إلى النصر: الانتظار الحقيقي – الاستعداد والتكليف الفردي والجماعي – المواجهة العملية والتضحيات- النصر الإلهي المؤزر.

وهذا التسلسل يعني أن النصر ليس لحظة واحدة، بل عملية تراكمية مبنية على وعي مستمر وحركة جماعية رشيدة.

3. شروط النصر في فكر الإمام الخامنئي

أ. البصيرة : النصر لا يتحقق إلا ببصيرة تُميز بين العدو والصديق، بين الحق والباطل، وبين التكليف والهوى. يقول الإمام : “العدو اليوم لا يواجهنا بالسلاح فقط، بل بالحرب الناعمة… وأهم سلاح في هذه المواجهة هو البصيرة”([26]) .

ب. الصبر والثبات : يركّز الإمام الخامنئي كثيرًا على مفهوم الصبر الاستراتيجي، لا الصبر السلبي، بل الثبات على الطريق رغم الضغوط والخذلان: “النصر يأتي لمن صبر أكثر، وثبت أطول، وآمن أعمق”([27]) .

ج. الوحدة والوعي الجماعي: النصر مشروع أمة، لا إنجاز فرد. لذلك يؤكد الإمام على أهمية الوحدة الداخلية ونبذ التفرقة الطائفية أو السياسية. ويُصرّ على أن العدو يراهن على تمزيق الصفوف.

د. العمل والتخطيط : النصر لا يأتي بالنيات، بل بالفعل. الإمام الخامنئي يؤمن بضرورة التخطيط والإعداد حتى في أصعب الظروف.

يقول: “من دون تنظيم وإعداد، فإن الشعارات الكبرى تبقى أمنيات لا أكثر”([28]) .

4. النصر ليس فقط ميدانياً

في نظر الإمام الخامنئي، النصر ليس محصورًا في ميدان القتال أو في إسقاط نظام سياسي، بل له أبعاد متعددة:

  • النصر الأخلاقي: حين تصمد القيم الإسلامية في وجه الانحراف.
  • النصر الثقافي: عندما تنتشر ثقافة المقاومة والوعي.
  • النصر العقائدي: حين تظل الأمة متمسكة بأمل الظهور والعدل.
  • النصر السياسي: بإفشال مشاريع الاستكبار وتثبيت محور المقاومة.

5. من الثورة إلى الدولة… النصر المتجدد

يرى الإمام الخامنئي أن الثورة لا تنتهي بمجرد إسقاط طاغية، بل يجب أن تتحول إلى دولة مقاومة ومنتصرة قادرة على الصمود وتصدير المبادئ. وهذا ما يُعبر عنه بـ”الثبات بعد النصر”، وهو من أخطر المراحل، لأن العدو يعيد هجومه بأدوات ناعمة.

6. النصر الأعظم: الظهور المقدس

كل الانتصارات الجزئية، في رأي الإمام الخامنئي، هي تمهيد للنصر الأعظم بظهور الإمام المهدي (عج). ويؤكد أن: “حركة المقاومة الإسلامية ليست بديلة عن الظهور، بل هي طريقه وشرطه ووسيلته”([29]) .

فجدلية النصر في فكر الإمام الخامنئي تدمج الغيب بالواقع، والتكليف بالنتيجة، والحركة بالتوكل.

فلا مكان لليأس أو العجز، بل لكلّ فرد من أبناء الأمة دور في بناء النصر، بالعلم، والثقافة، والوعي، والجهاد، والإخلاص.

النصر ليس بعيدًا لمن سار على نهج الانتظار والمواجهة… والله وعد عباده بالنصر، وهو لا يخلف الميعاد.

الخاتمة

تُبرز قراءة فكر الإمام الخميني والإمام الخامنئي في ضوء جدلية فقه الانتظار وفقه المواجهة أننا أمام مشروع فكري متكامل، لا يفصل بين البُعد الغيبي والمستقبلي وبين الحضور الواقعي والسياسي، بل يوظّف كليهما في سبيل تحقيق النصر الإلهي وتمكين الأمة. لقد قدّم الإمامان تصورًا جديدًا للانتظار كمنظومة تحفيز وتهيئة روحية ومجتمعية، وأعادا الاعتبار للمواجهة كضرورة عقلية وشرعية في مواجهة الظلم والاحتلال والتبعية.

إن جدلية النصر في فكرهما تقوم على التفاعل الحي بين الإيمان بالغيب والعمل بالسنن، بين الأمل والاستعداد، بين التمهيد والقيام. وبهذا الفهم، لا يكون النصر مجرد وعد مؤجل، بل نتيجة طبيعية لحركة وعيٍ جماعي تتجاوز الخوف والسكون، وتعيد للأمة دورها الرسالي في قيادة التاريخ.

وما أحوج الأمة اليوم إلى استلهام هذا النموذج الفقهي المقاوم، الذي يوازن بين العقيدة والحركة، ويؤمن بأن الانتظار الصادق لا يكتمل إلا بالمواجهة الواعية، وأن النصر الإلهي لا يتحقق إلا حين يلتقي الاستحقاق البشري بالإرادة الربانية.

المصادر

  1. الإمام الخميني، الولاية الفقيه: أساس الحكم في الإسلام، ترجمة: محمد كمال محمدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1981.
  2. الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، دار صدوق، قم، 1981.
  3. الإمام الخامنئي، دروس في انتظار الفرج، منشورات الثورة الإسلامية، ص 12.
  4. الإمام الخامنئي، خطاب بمناسبة ذكرى عاشوراء، 2015.
  5. الإمام الخامنئي، خطاب في لقاء مع النخب الجامعية، 2018.
  6. الإمام الخامنئي، خطاب في لقاء مع طلبة الحوزات العلمية، 2005.
  7. الإمام الخامنئي، خطاب في يوم المهدوية، 2019.
  8. الإمام الخامنئي، سلسلة لقاءات التعبئة، 2020.
  9. الإمام الخامنئي، كلمة بمناسبة يوم القدس العالمي، 2010.
  10. الخميني، روح الله. الحكومة الإسلامية، ترجمة مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، 1999.
  11. الخميني، روح الله. الحكومة الإسلامية، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، قم، ط3، 1999، ص: 29.
  12. الخميني، روح الله. تحرير الوسيلة، مؤسسة دار الفقه، ج1، ص: 488.
  13. الخميني، روح الله. صحيفة الإمام، ج6، ص: 234.
  14. الخميني، روح الله. الكلمات القصار للإمام الخميني، إعداد مركز تنظيم ونشر آثار الإمام، ط1، ص: 77.
  15. دار الولاية للثقافة والإعلام، مفهوم الانتظار من وجهة نظر الإمام الخميني، https://alwelayah.net/post/12246
  16. الشيخ الطوسي، الاستبصار، تحقيق: محمد باقر الخالصي، دار الكتب الإسلامية، قم، 1407 هـ.
  17. الشيخ المفيد، المقالات والأحكام، تحقيق: محمد حسن شريف، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999.
  18. شريعتي، علي. العودة إلى الذات، دار الأمير، بيروت، 2002، ص: 88.
  19. فاضل لنكراني، فقه الغيبة والانتظار في الإسلام، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 2005.
  20. فضل الله، محمد حسين. فقه الواقع: جدلية النص والواقع، دار الملاك، بيروت، 2004، ص: 121.
  21. معهد المعارف الحكمية، الأسس والجوانب الثورية في فكر الإمام الخميني، https://maarefhekmiya.org/thawra
  22. مطهري، مرتضى. الثورة الإسلامية: الجذور والأهداف، ترجمة حسين الموسوي، دار الهادي، بيروت، 1998، ص: 54.
  23. اليزديّ الحائريّ ، إلزام الناصب في إثبات إمامة الحجّة الغائب، الناشر: دار التوحيد – بيروت،ط3،  1971.
  24. المهدويّة أمل البشريّة ، قبسات من خطاب الوليّ ،إعداد: مجلّة بقيّة الله،إصدار: دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، ط1 ، 2019م.
  25. في ميدان الانتظار ،إعداد: مجلّة بقيّة الله، إصدار: دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، ط1 ، 2023م.

 ([1])الشيخ المفيد، المقالات والأحكام، تحقيق: محمد حسن شريف، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999.

 ([2])الشيخ الطوسي، الاستبصار، تحقيق: محمد باقر الخالصي، دار الكتب الإسلامية، قم، 1407 هـ.

 ([3]) إلزام الناصب في إثبات إمامة الحجّة الغائب، اليزديّ الحائريّ، ج 1، ص 260.

 ([4]) المصدر نفسه

 ([5])المهدويّة أمل البشريّة ، قبسات من خطاب الوليّ ،إعداد: مجلّة بقيّة الله،إصدار: دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، ط1 ، 2019م، ص77.

 ([6]) المصدر نفسه.

 ([7])الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، دار صدوق، قم، 1981.

 ([8])الإمام الخميني، الولاية الفقيه: أساس الحكم في الإسلام، ترجمة: محمد كمال محمدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1981.

 ([9])فاضل لنكراني، فقه الغيبة والانتظار في الإسلام، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 2005.

 ([10])دار الولاية للثقافة والإعلام، مفهوم الانتظار من وجهة نظر الإمام الخميني، https://alwelayah.net/post/12246

 ([11])معهد المعارف الحكمية، الأسس والجوانب الثورية في فكر الإمام الخميني، https://maarefhekmiya.org/thawra

 ([12]) في ميدان الانتظار ،إعداد: مجلّة بقيّة الله، إصدار: دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، ط1 ، 2023م. من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

 ([13])الخميني، الحكومة الإسلامية، ترجمة مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران: 1999.

 ([14])الخميني، روح الله. الحكومة الإسلامية، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، قم، ط3، 1999، ص: 29.

 ([15]) الخميني، روح الله. تحرير الوسيلة، مؤسسة دار الفقه، ج1، ص: 488.

 ([16]) الخميني، روح الله. صحيفة الإمام، ج6، ص: 234.

 ([17]) الخميني، روح الله. الكلمات القصار للإمام الخميني، إعداد مركز تنظيم ونشر آثار الإمام، ط1، ص: 77.

 ([18]) فضل الله، محمد حسين. فقه الواقع: جدلية النص والواقع، دار الملاك، بيروت، 2004، ص: 121.

 ([19]) مطهري، مرتضى. الثورة الإسلامية: الجذور والأهداف، ترجمة حسين الموسوي، دار الهادي، بيروت، 1998، ص: 54.

 ([20]) شريعتي، علي. العودة إلى الذات، دار الأمير، بيروت، 2002، ص: 88.

 ([21]). الإمام الخامنئي، دروس في انتظار الفرج، منشورات الثورة الإسلامية، ص 12.

 ([22])  الإمام الخامنئي، خطاب في لقاء مع طلبة الحوزات العلمية، 2005.

 ([23])الإمام الخامنئي، كلمة بمناسبة يوم القدس العالمي، 2010.   

 ([24])المصدر السابق، خطاب في ذكرى الثورة الإسلامية 2017.

 ([25])الإمام الخامنئي، خطاب في لقاء مع النخب الجامعية، 2018.

 ([26])الإمام الخامنئي، خطاب بمناسبة ذكرى عاشوراء، 2015.

 ([27]) المصدر نفسه.

 ([28]) الإمام الخامنئي، سلسلة لقاءات التعبئة، 2020.

 ([29])الإمام الخامنئي، خطاب في يوم المهدوية، 2019.

المنشورات الأخرى

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

المنشورات الأخيرة

المحررون

الأكثر تعليقا

المقاطع المرئية