السيد حسين الموسوي
بكلوريوس فقه/ دبلوم عالي للاتصالات
المقدمة: النصر بين المفهوم القرآني والرؤية الثورية
في عالم تشابكت فيه مفاهيم النصر والهزيمة، وتداخلت فيه المعايير المادية والروحية، تبرز الحاجة إلى استعادة الرؤية الإسلامية الأصيلة لمفهوم النصر كما بلورها قادة الثورة الإسلامية في إيران، الإمام الخمينيH والسيد علي الخامنئيK. هذه الرؤية التي استمدت أصولها من القرآن الكريم وسنة أهل البيت%، ثم تبلورت في مدرسة الجهاد والمقاومة التي قادتها الجمهورية الإسلامية.
إن دراسة مفهوم النصر من وجهة نظر هذين القائدين ليست مجرد بحث تاريخي أو فكري، بل هي ضرورة عملية لفهم ديناميكيات الصراع الحضاري الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم. ففي الوقت الذي تُختزل فيه مفاهيم النصر في المعايير المادية من أراضٍ محررة أو انتصارات عسكرية، تقدم رؤية الإمام روح الله الخمينيH والإمام علي الخامنئيK تصوراً شاملاً يجمع بين البعدين المادي والمعنوي، الدنيوي والأخروي.
المبحث الأول: الأسس العقائدية لمفهوم النصر في فكر الإمام الخمينيH
1. النصر كتحقق للإرادة الإلهية
كان الإمام الخمينيH يرى أن النصر الحقيقي هو تحقيق الإرادة الإلهية في الأرض، وليس مجرد الانتصار العسكري أو السياسي. ففي خطاب له بعد انتصار الثورة الإسلامية، أكد أن “النصر عندما يكون في سبيل الله، فإنه نصر دائم ومستمر، لأنه مرتبط بمشيئة الله تعالى التي لا تتغير”. هذا المفهوم يستند إلى الآية الكريمة: “إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” (محمد:7).
لقد رأى الإمامH أن انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 لم يكن مجرد تغيير نظام سياسي، بل كان “انتصاراً للإسلام على الكفر، وللمستضعفين على المستكبرين”. وهذا ما يفسر استمرار الثورة رغم كل التحديات، لأنها -بحسب رؤيته- تحظى بدعم إلهي مستمر.
إن من أجمل تجليات النصر هو مظاهر وإرهاصات المدد الإلهي والنصرة المبذولة للعباد الصادقين، فالمجاهدون الصابرون المحتسبون عندما تتحقق منهم الاستقامة في نصرة الله يتنزل عليهم النصر الإلهي الذي يترجم هداية لهم وفكراً بأعدائهم وعوناً لجندهم يتنزل من السماء ملائكة ورعباً وحجارة من سجيل، فيكون مشهد النصرة الإلهية هذه أجمل من مشهد النصر عينه لأنه بشارة من السماء على أن هذا النصر هو نصر حقيقي إلهي يستأهل أن يفرح المؤمنون به، ويكون مصداق الآية الشريفة ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
وبهذا الصدد يقول الإمام رضوان الله عليه: “إنَّ مع هذه الأمة حماية غيبية، فأنتم بالحماية الغيبية إنما تسيرون قدماً، وإلا فأنتم بأنفسكم لا تملكون الإمكانيات لذلك، … إن الذي كان بيد أمتنا إنما هو الله أكبر هو الإيمان، فالإيمان ونداء الله أكبر هو الذي دفعكم إلى الإمام”.
ويقول أيضاً: “أولئك الذين لا يهتمون بالمعنويات ألا ينتبهون من سباتهم؟ ألا يؤمنون بهذا الغيب؟ هلاّ يستيقظون! من الذي أسقط هيلوكوبترات السيد كارتر التي أرادت غزو إيران؟ أنحن الذين أسقطناها؟ الرمال التي أسقطتها. لقد كانت الرمال مأمورة من الله، وكانت الريح مأمورة من الله، ليجربوا ثانية”.
2. العلاقة الجدلية بين الجهاد والنصر
في مدرسة الإمام الخمينيH، لا ينفصل النصر عن الجهاد، بل هما وجهان لعملة واحدة. كان يؤمن بأن “الجهاد نفسه هو نصر، لأن فيه إعلاءً لكلمة الله”. وهذا ما يفسر موقفه من الحرب المفروضة (1980-1988)، حيث اعتبر أن الصمود أمام القوى العظمى هو انتصار بحد ذاته، بغض النظر عن النتائج الميدانية.
لقد جسد الإمام الخمينيH في مواقفه مبدأ “العزة في المواجهة” بدلاً من “الذلة في المساومة”، معتبراً أن “الشهادة في سبيل الله هي أعلى مراتب النصر”. وهذا المفهوم العميق للنصر هو ما مكّن الجمهورية الإسلامية الإيرانية من تحويل الهزيمة العسكرية المفترضة في الحرب إلى انتصار استراتيجي مكّنها من تعزيز نفوذها الإقليمي لاحقاً.
3. العلاقة الملاصقة بين النصر والايمان بالله تعالى
من أهم مميزات رؤية الإمام الخمينيH للنصر أنها كانت مرتبطة بالعلاقة مع الله والسلوكيات المتبعة من قبل الثوريين والقادة وهنا أجد مناسباً أن أثبت عدة كلمات نورانية للإمام الخميني H تؤكد ارتباط النصر بالإيمان بالله تعالى:
- “لقد استطاع شعب إيران المجاهد أن يتغلب بالإيمان بالله ووحدة الكلمة على قدرة شيطانية عظيمة تدعمها جميع القوى، وأن يقطع يد جميع القوى العظمى عن بلده“.
- “إن الإيمان بالله وبالمبادئ الإسلامية هو الذي حقق لكم النصر“.
هنا نلفت النظر إلى أهمية الإيمان بالمبادئ والقيم الإسلامية دون مجرد حملها كشعارات مجردة عن العمل، إذ إن الإيمان بالمبادئ هو مقدمة للعمل بها حيث لا يتحقق العمل بلا إيمان راسخ. وفي الحقيقة إن مشكلة المسلمين الكبرى في طول التاريخ الإسلامي كانت أنهم يحملون المبادئ العظيمة على مستوى الشعار والتراث من غير أن تؤمن بها قلوبهم والعقول فيكون مثالهم كحامل التمر إلى هجر أو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، غير أن إيمان المسلمين في عصر الإمام الخمينيH بالله وبالقيم والمبادئ الإسلامية الرائدة جعلتهم يحققون النصر بسرعة مذهلة.
- “إنَّ سرَّ انتصارنا هو التوجه نحو الله تبارك وتعالى والحرص على حراسة الإسلام“.
- “حافظوا على الأخلاق والسلوك الإسلاميين، فهما اللذان حققا لكم النصر“.
وهنا نلفت إلى أهمية الأخلاق الإسلامية في تحقيق النصر حيث يُلزم الإسلام أتباعه باتباع أخلاقيات دينية إنسانية حتى في قلب المعركة وفي خضم الصراع، فالغاية لا تبرز الوسيلة، لذلك إذا ما حقق المؤمنون بالله النصر فإنهم يحققون نصراً نظيفاً طاهراً بل لائقاً بالمؤمنين.
- “إننا نريد أن نثبت للعالم أجمع أن قوة الإيمان يمكنها التغلب حتى على القوى العظمى“.
وذلك لأن المؤمنين من خلال إيمانهم بالله خالق العالم تتصل قوتهم بقوته وإرادتهم بإرادته، فلا تعود المعركة والمواجهة بين قوتهم المادية الضعيفة وقوة القوى العظمى الهائلة بل يكون الطرف في الصراع هو الله القادر والغالب.
- “بوجود القوة الروحية والانسجام والالتزام بالإسلام لن يؤدي نقص العدة إلى أي ضعف“.
- “إن الروحية المعنوية النابعة من الإيمان بالله تعوض وتجبر النقص المادي عدداً وعدة ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّه﴾ِ“.
المبحث الثاني: مقارنة بين رؤيتي الإمام الخمينيH والسيد الخامنئيK للنصر
1. نقاط الالتقاء
يجمع بين الرؤيتين التركيز على البعد الإلهي للنصر، حيث يرى كلاهما أن النصر الحقيقي هو ما كان في سبيل الله ووفقاً لشرعه. كما يتفقان في رؤية النصر كعملية شاملة لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية.
كذلك، يشارك القائدان في الاعتقاد بأن “النصر الإلهي” لا يرتبط بالتوازنات المادية للقوى، فالكثير من المعارك في التاريخ الإسلامي انتصر فيها المسلمون رغم تفوق العدو عددا وعدة، كما في بدر والأحزاب.
ومن ضمن المرتكزات الفكرية كلاهما يعتبران الصراع مع الاستكبار العالمي صراعا وجوديا وان الايمان بان الطريق النصر يمر عبر التضحية والشهادة، كما تؤكد الرؤيتين على دور القيادة الواعية في تحقيق النصر.
2. نقاط التمايز
بينما ركز الإمام الخمينيH أكثر على الجوانب الروحية والثورية والتعبئة العقائدية والجهاد الشعبي للنصر، خاصة في مرحلة تأسيس النظام الإسلامي، فإن السيد الخامنئيK طور رؤية أكثر شمولاً تتضمن الأبعاد الاستراتيجية والمعرفية للنصر في عصر العولمة.
كما أن السيد الخامنئيK، بسبب التحديات المختلفة التي واجهتها إيران في عهده، أولى اهتماماً أكبر لموضوع “إدارة النصر” وكيفية تحويل الانتصارات الميدانية إلى مكاسب استراتيجية دائمة.
لقد ركز الامام الخمينيH من ناحية الابعاد الدولية على طرح مفهوم تصدير الثورة بشكل مباشر بينما طور السيد الخامنئيK المفهوم نحو دعم الحركات المقاومة بشكل أكثر استراتيجية
المبحث الثالث: تطور مفهوم النصر في فكر السيد الخامنئيK
1. النصر كقدرة على تحويل التهديدات إلى فرص
أضاف السيد الخامنئيK بُعداً جديداً لمفهوم النصر، يتمثل في القدرة على تحويل التهديدات إلى فرص. في تحليله للعديد من الأزمات التي واجهتها إيران، مثل العقوبات الاقتصادية، كان يؤكد أن “النصر الحقيقي هو عندما تستطيع أن تحول الحصار إلى فرصة للاعتماد على الذات”.
هذا المنظور يفسر كيف استطاعت إيران تطوير برامجها النووية والصاروخية رغم الحظر الدولي، وكيف تحولت العقوبات إلى حافز للاكتفاء الذاتي في العديد من المجالات الصناعية والعلمية.
2. النصر المعرفي كأساس للنصر المادي
اهتم السيد الخامنئيK بشكل خاص بما يمكن تسميته “النصر المعرفي”، أي انتصار الرؤية الإسلامية على المنظومات الفكرية الغربية. في العديد من خطاباته، شدد على أن “أعظم انتصار تحققه الأمة هو عندما تستعيد ثقتها بفكرها وهويتها”.
هذا البعد الثقافي والمعرفي للنصر يظهر جلياً في دعم إيران لتأسيس مدارس فكرية مقاومة، وفي تركيزها على بناء الإنسان المؤمن قبل بناء المؤسسات المادية. فالنصر -بحسب هذه الرؤية- يبدأ في العقول والقلوب قبل أن يتحقق على الأرض.
3. النصر كاستراتيجية مستدامة وليس تكتيكاً مرحلياً
طور السيد الخامنئيK مفهوم “النصر الاستراتيجي” الذي يتجاوز الانتصارات التكتيكية المؤقتة. في تحليله لموازين القوى الإقليمية، كان يرى أن “النصر ليس في السيطرة على الأرض فحسب، بل في تغيير معادلات القوى لصالح المستضعفين”.
هذه الرؤية الاستراتيجية هي التي تقف خلف سياسة إيران الطويلة الأمد في دعم محور المقاومة، حيث ترى أن كل انتصار تحققه المقاومة في لبنان أو فلسطين أو اليمن هو جزء من نصر أكبر يتجاوز الحدود الجغرافية.
المبحث الرابع: تطبيقات عملية لعقيدة النصر في سياسات إيران
1. البرنامج النووي كمجال للنصر
يمثل البرنامج النووي الإيراني نموذجاً عملياً لتطبيق عقيدة النصر كما يراها القادة الإيرانيون. فبالرغم من الضغوط الدولية الهائلة، استطاعت إيران تحقيق ما تسميه “النصر النووي” بالحفاظ على حقها في التخصيب مع كسر الحصار المفروض عليها.
هذا الملف يظهر كيف تحولت المواجهة مع القوى العظمى إلى فرصة لإثبات الذات وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا النووية السلمية، وهو ما يعتبره القادة الإيرانيون انتصاراً للعلم والإرادة الوطنية.
2. دعم محور المقاومة
تعتبر سياسة دعم حركات المقاومة في المنطقة أحد أبرز تجليات عقيدة النصر الإيرانية. فبدلاً من الانكفاء على الذات، اختارت إيران أن تنظر إلى النصر كمسؤولية إقليمية تشمل كل المستضعفين في وجه المستكبرين.
هذه السياسة التي بدأت بدعم حزب الله في لبنان، ثم امتدت إلى فلسطين واليمين والعراق، تعكس رؤية استراتيجية للنصر تتجاوز الحدود الوطنية إلى الأمة الإسلامية ككل.
وقد أشاد الناطق باسم حركة الشهيد عزّالدين القسام، ابوعبيدة امام عشرات من الكاميرات الفضائية بهذا الدعم المتواصل وفي تلك الكلمة قدم الشكر لمن سخره الله ليساهم في هذا التطور، ومن دعم المقاومة وأدرك شرف مساندتها ونصرها بالسلاح والعدة، حيث قدم الشكر للجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث قدمت الدعم الكامل من المال والسلاح والامور الأخرى وقد أمدّت المقاومة بالصواريخ التي دكّت حصون الصهاينة ودعمت المقاومة بالصواريخ النوعية المضادة للدبابات والتي حطمت اسطورة الميركافا الصهيونية …
3. مواجهة العقوبات الاقتصادية
في مواجهة العقوبات الاقتصادية، طبقت إيران مفهوم “الاقتصاد المقاوم” الذي يعتبره السيد الخامنئيK مجالاً أساسياً لتحقيق النصر. فبدلاً من الاستسلام للضغوط، عملت على تحويل الأزمة إلى فرصة لتنمية القطاعات المحلية وتقليل الاعتماد على الخارج.
هذا النموذج يظهر كيف يمكن تحويل التحديات إلى انتصارات عندما تُدار الأزمة برؤية استراتيجية تعتبر النصر عملية تراكمية وليس حدثاً لحظياً.
المبحث الخامس: النصر في المواجهة مع المشروع الصهيوني من منظور قيادة الثورة الاسلامية
1. تحرير فلسطين كهدف استراتيجي
يُعتبر الموقف من القضية الفلسطينية أحد أبرز تجليات رؤية الإمام الخمينيH والسيد الخامنئيK لمفهوم النصر. فقد حدد الإمام الخمينيH يوم القدس العالمي كتعبير عن وحدة الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، معتبراً أن “تحرير فلسطين هو واجب إسلامي لا ينفصل عن مسيرة النصر الشاملة”.
أما السيد الخامنئيK فقد طور “نظرية المقاومة الشاملة” كطريق لتحرير فلسطين، معتبراً أن “كل انتصار للمقاومة في غزة أو الضفة هو خطوة نحو النصر النهائي”. هذه الرؤية التراكمية تفسر الدعم الإيراني المستمر لفصائل المقاومة رغم التكاليف السياسية والاقتصادية الباهظة.
2. معادلة ردع جديدة
أسهمت رؤية القيادة في إعادة تعريف معادلة القوة مع الكيان الصهيوني. فبدلاً من التركيز على المواجهة العسكرية المباشرة، عملت على بناء “نظرية الردع الاستراتيجي” عبر تطوير القدرات الصاروخية ودعم حلفاء قادرين على تحقيق توازن رعب.
هذا النموذج حوّل الصراع من مواجهة غير متكافئة إلى معادلة جديدة تفرض فيها المقاومة شروطها، وهو ما يعتبره القادة الإيرانيون “انتصاراً للعقلانية الاستراتيجية في مواجهة التفوق العسكري التقليدي”.
المبحث السادس: مستقبل النصر في الرؤية الإيرانية
يرى السيد الخامنئيK أن النصر ليس مجرد حدث تاريخي ينتهي بتحقيق هدف معين، بل هو عملية مستمرة تتطلب صبرًا طويلاً وجهادًا متواصلاً. في مذكراته “إن مع الصبر نصرًا”، يؤكد أن الصمود والثبات هما أساس تحقيق الأهداف الكبرى، وأن النصر الحقيقي يأتي عبر تراكم الانتصارات الجزئية وليس بالانتصارات السريعة. كما يشير إلى أن الثورة الإسلامية نفسها لم تكن حدثًا لحظيًا، بل هي مشروع تغييري طويل الأمد يتضمن مراحل متعددة تبدأ بإسقاط النظام الطاغوتي وتنتهي ببناء الحضارة الإسلامية.
1. النصر كمسيرة مستمرة وليس حدثًا عابرًا
يرى السيد الخامنئيK أن النصر ليس مجرد حدث تاريخي ينتهي بتحقيق هدف معين، بل هو عملية مستمرة تتطلب صبرًا طويلاً وجهادًا متواصلاً. في مذكراته “إن مع الصبر نصرًا”، يؤكد أن الصمود والثبات هما أساس تحقيق الأهداف الكبرى، وأن النصر الحقيقي يأتي عبر تراكم الانتصارات الجزئية وليس بالانتصارات السريعة. كما يشير إلى أن الثورة الإسلامية نفسها لم تكن حدثًا لحظيًا، بل هي مشروع تغييري طويل الأمد يتضمن مراحل متعددة تبدأ بإسقاط النظام الطاغوتي وتنتهي ببناء الحضارة الإسلامية.
2. نظرية الأمّة المقاومة
يعتبر السيد الخامنئيK أن دعم محور المقاومة هو جزء أساسي من استراتيجية النصر الإيرانية. في خطبة جمعة النصر، قال: “المقاومة في المنطقة لن تتراجع بشهادة رجالها، والنصر سيكون حليفها” . كما أشاد بدور حزب الله والسيد حسن نصر الله، واصفًا إياهم بـ”الشجرة الطيبة” التي ستثمر نصرًا للمنطقة بأكملها. هذه الرؤية تؤكد أن النصر لا يتحقق إلا عبر وحدة الساحات وتكامل أدوار المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن وسوريا.
تتبلور الرؤية المستقبلية حول مفهوم “الأمة المقاومة” الذي يعني:
– وحدة الأمة في مواجهة التحديات
– رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني
– التكامل الاقتصادي الإسلامي
– التضامن في مواجهة العدوان
3. النصر المعرفي والثقافي
يركز السيد الخامنئيK على أن النصر لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يشمل أيضًا الجانب الثقافي والمعرفي. في كتاب “الحرب الناعمة”، يحذر من محاولات الغرب تشويه الفكر الإسلامي ويؤكد أن مواجهة هذه الحرب تتطلب بناء إعلام إسلامي قوي وتعزيز الهوية الثقافية للأمة. كما يرى أن التعليم الجامعي والحوزوي يجب أن يكونا أداتين رئيسيتين في صناعة جيل قادر على مواجهة التحديات الفكرية.
4. الوحدة الإسلامية كطريق للنصر النهائي
يؤمن السيد الخامنئيK بأن النصر الحقيقي لن يتحقق إلا بوحدة الأمة الإسلامية. في خطبة جمعة النصر، دعا إلى “ربط أحزمة الدفاع عن الأمة الإسلامية من أفغانستان إلى اليمن ومن إيران إلى غزة ولبنان”. هذه الرؤية تعتبر أن النصر ليس محصورًا في حدود إيران، بل هو مشروع إسلامي شامل يهدف إلى تحرير كل أراضي المسلمين من الهيمنة الأجنبية.
خاتمة: نحو رؤية متكاملة للنصر في الأمة الإسلامية
إن دراسة ملامح النصر في فكر الإمام الخمينيH والسيد الخامنئيK تقدم للأمة الإسلامية نموذجاً متكاملاً يجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين الروحانية والعملية، بين الفردية والجماعية. هذه الرؤية التي ترفض الانبهار بالمعايير المادية الغربية، وتتمسك بالمقاييس الإسلامية الأصيلة، هي ما تحتاجه الأمة اليوم في مواجهة تحدياتها الحضارية.
فالنصر -بحسب هذه الرؤية- ليس مجرد حدث عابر، بل هو مسيرة مستمرة من الجهاد والصبر والإخلاص، تبدأ بالإيمان وتتوج بالتمكين، وفقاً للسنن الإلهية التي لا تتغير: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: 40).
إن المسلمين المؤمنين حقاً باللَّه يعتقدون بل يؤمنون بأنهم منتصرون على كل حال لذا فهم لا ينظرون إلى كثرتهم أو قلتهم ولا إلى نوع عتادهم وإمكاناتهم التي حصلوا عليها بأقصى جهدهم وهي لا تقاس بإمكانيات الأعداء وذلك لأنهم يؤمنون بقول اللَّه تعالى ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ (آل عمران: 123) وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: 47) وقوله تعالى: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾ (آل عمران: 16).
وبعبارة أخرى فإن انتصار المؤمنين إنما يتحقق بمحض القيام بالتكليف الشرعي والواجب الجهادي حتى وإن قاتلوا وهم قلة وعاشوا الوحدة والغربة واستشهدوا بعد ذلك. والمؤمنون يتوكلون على اللَّه ويعتقدون بأنه القادر على نصرهم في ميادين الحرب والجهاد فهو الذي يهدي عقولهم ليتدبّروا أمورهم بشجاعة العاقل الحكيم، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت: 69) وهو الذي يؤيدهم بعناياته الخاصة فيبتكرون وسائل للجهاد تحير العدو ﴿وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾(إبراهيم: 11)، وهو الذي يمدهم بسبب من السماء حينما يعز الناصر والمعين فيرتفع الدعاء بالنصر والمدد: ﴿فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ (الأنفال: 9)، وهو الذي يقذف الرعب في قلوب الأعداء فيهزمهم من قبل أن تلقوهم: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًاً﴾ (الأحزاب: 26).
إن المؤمنين يعتقدون أن النصر مخبوء في عمق الإيمان، فأينما حل الإيمان يحل النصر، النصر الذي لا هزيمة معه، والنصر الذي يلازمه الاطمئنان إلى الفعل وإلى النتيجة والمصير، ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 250)، وأي نصر أعظم للإنسان من أن يحيا بقلب مطمئن هاديء وفي كل الظروف، إنه نصر الثقافة الإسلامية المجيدة التي كتبها عظماء الإسلام بمداد دمهم القاني والطاهر.
وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” (الروم:47). هذه الآية تختزل جوهر الرؤية الإيرانية للنصر، الذي يبقى في النهاية موعوداً إلهياً لمن يسلك طريق الجهاد والصبر والإخلاص.
المصادر:
- الحكومة الإسلامية (ولاية الفقيه)-روح الله الخمينيH ره (1902 – 1989م)
- في الجهة الصحيحة من التاريخ-محمد علي محسن زاه (1977م-؟)
- القضية الفلسطينية في فكر الامام الخامنئيK – سعيد صلح ميرزائي (1979م-؟)
- خطابات السيد الخامنئيK حول الاقتصاد المقاوم
- تقارير منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (2020)
- تصريحات قادة الحرس الثوري حول دعم المقاومة
- مذكرات الامام الخامنئيK “إن مع الصبر نصرًا”
- رؤية الامام الخامنئيK في مواجهة الحرب الناعمة –مقال صادر عن جمعية المعارف الإسلامية
- الصبر والنصر رؤية على مذكرات المرشد الخامنئيK– الكاتبة آية عبدالعزيز -2019
Leave a Comment
Your email address will not be published. Required fields are marked with *