الرؤية الصحيحة لعقيدتي النصر والانتصار

رحمة محمد محفوظ – ماجستير كلام اسلاميجامعة المصطفى العالمية، دمشق – السيدة زينب (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم


المستخلص:
النصر والانتصار من المفاهيم والمرتكزات الاعتقادية التي كثر الكلام والحديث عنها في الفكر الإسلامي، لكي يتجلّى لنا معنى النصر والانتصار برؤية صحيحة لا بدّ من استنطاق آيات الذكر الحكيم والرجوع إلى أهل الذكر ترجمان القرآن كي تتم الاستضاءة بمعارفه المنيرة لكل طالبٍ للحقيقة، وقد أفاد العلماء في بحوثهم أنّ “النصر” سُنّة إلهيّة ليثبت بذلك “الانتصار” انتصار الحقّ على الباطل، هنا ترد شبهة أصحاب النظرة القاصرة والفهم الخاطئ لمعنى الانتصار، فلا يفهمون منه إلّا الانتصار الظاهري والجسماني المادّي ويجهلون معاني أكبر بكثير للانتصار الحقيقي، المثال الرائع لإعطاء رؤية صحيحة في هذا المجال يتجلّى في انتصار الدم الحسيني على السيف الأموي وإعادة الوعي إلى الأمة التي كادت أن تفقد الحياة على أثر ضربة يدٍ غادرة من أصحاب العصبية الجاهلية، من هذا المثال الحي للنصر والانتصار تستلهم المقاومة الشريفة للمستضعفين في كل مكان من بقاع الأرض كيفية مقارعة الظلم والاضطهاد لنصرة الحقّ والانتصار على أصحاب الجور، ومن المؤكد أنّ هذا يستلزم مقومات ثابتة واستعدادات معيّنة سنعمل على بيان ذلك من خلال معرفة مفهوم النصر والانتصار في المنظور الإسلامي والإنساني لتتجلّى بذلك رؤية واضحة تحكي اعتقادنا بالنصر والانتصار، وأنّ للنصر معاني عدّة لا يتم تحققه إلا عند تحقق علله و أسبابه وفق السنن الإلهية المودعة في الكون. قال أمير المؤمنين عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل: (تزول الجبال ولا تزل، عض على ناجذك، أعر الله جمجمتك، تد في الأرض قدمك، ارم ببصرك أقصى القوم، وغض بصرك، واعلم أن النصر من عند الله سبحانه) فالعون والمدد الإلهي من المؤكدات المشهودة لأصحاب العقيدة الصحيحة، والسيد الخامنئي يشير إلى ذلك في بعض خطبه، وبالعودة إلى كلام الامام الخميني (قدس سره) نجد أنه يختصر أسباب النصر بذكر سببين رئيسيين عندما قال: (إنّ سرّ انتصاركم الإيمان ووحدة الكلمة)، ويوضح أنّ النصر في المفهوم الإلهي هو نفس تحقيق رضا الله تعالى ونيل مرضاته من خلال لزوم أمر الله ودوام طاعته كما يريد ويحب أن يطاع.


الكلمات المفتاحية: (النصر، الانتصار، عقيدة النصر والانتصار، الرؤية الصحيحة، النصر والانتصار في الفكر الامامي الاثني عشري).

المقدمة:
إنّ عقيدة النصر والانتصار في الفكر الامامي الاثني عشري لا تنحصر في تصورات المعارك الحربية أو الانتصارات المادية، بل هي قضية أعمق بكثير إذ تأخذ منحى ذي أبعاد عقائدية وروحية عميقة، بحيث تتجذّر في صلب الإيمان والاعتقاد بالخلافة الإلهية في الأرض التي لا تنقطع بختم النبوة بل تمتد بالإمامة والأدوار المتكاملة للأئمة المعصومين ع خصوصاً الدور الحسيني والنصر الكربلائي في انتصار الدم على السيف، وما يتبع هذا النهج من ثورات مناهضة ضد الظلم والظالمين إلى ظهور الإمام المهدي المنتظر (عج) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، وهي تستند في ذلك إلى فهم دقيق للسنن الإلهية في التغيير، والعدل الإلهي، ودوره في تمكين المؤمنين في الأرض، ولو بعد حين.
المنهج الذي اتبعناه في سير البحث: المنهج الوصفي التحليلي.
وقد تم تقسيم البحث إلى محورين، الأول منهما تحت عنوان: الرؤية القرآنية لعقيدتي النصر والانتصار، والمحور الثاني عنوانه: رؤية أهل بيت النبوة لعقيدتي النصر والانتصار ثم تلا ذلك ذكر الخاتمة وأهم النتائج.

 
المحور الأول: الرؤية القرآنية لعقيدتي النصر والانتصار
رؤية الإمامية الاثني عشرية للنصر والانتصار منطلقها من القرآن الكريم الدستور الإلهي الكامل لكل ما يحتاجه البشر في الحياة الدنيوية وتحديد مصيرهم ودرجاتهم في حياتهم الأبدية. بتتبع آيات الذكر الحكيم نجد أنّ مفهومي ” النصر ” و ” الانتصار ” بينهما ارتباط وثيق متعلّق بسُنّة إلهية تعبّر عن المواجهة بين جبهتي الحقّ والباطل، بين الإيمان والكفر، بين جنود العقل وجنود الشيطان، ليفصح لسان القرآن بأنّ النصر لا ينحصر في دائرة القتال والمواجهة العسكرية أو السياسية، بل يمتد لدائرة أوسع تشمل نصر المبادئ والقيم نصر العقيدة والإيمان التوحيدي الخالص، فيكون للنصر معاني عدّة كما ظهر عند استحضار آيات القرآن الكريم، نذكرها على نحو الاجمال:
١_ معنى ” الغلبة “: الشائع في ساحة المعركة والقتال
وقوله:{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ٢٥ ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ ٢٦} (التوبة:٢٥..٢٦)
يدل السياق على ان المواطن الكثيرة هي مواطن الحروب كوقائع بدر وأحد والخندق وخيبر وغيرها، والآيتان مسوقة لتذكير قصة وقعة حنين، وعجيب ما أفاض الله عليهم من نصرته حنين قاتل فيه النبي صل الله عليه وآله وسلم هوازن وثقيف وكان يوماً شديداً على المسلمين انهزموا أولا ًثم أيدهم الله بنصره فغلبوا، الآيات تشير إلى منّة الله عز وجل بنصره للمؤمنين يوم حنين كسائر المواطن من الغزوات التي نصرهم الله بعجيب نصرته على ضعفهم وقلتهم، وأظهر أعاجيب آياته بتأييد نبيه (صل الله عليه وآله وسلم) وإنزال جنود لم يروها وإنزال السكينة على رسوله والمؤمنين وتعذيب الكافرين بأيدي المؤمنين.

[1]
٢_ معنى “نصرة المظلوم”: وهو أوسع من الغلبة في ساحات المعارك، قال تعالى:﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ (الإسراء: 33)؛ فالنصر هنا هو بمعنى تشريع حكم إلهيّ للمظلوم يتدارك به ما وقع عيه من الظلم والجور، فيتم الاقتصاص من الظالم نصرة للمظلوم
٣_ معنى “غلبة”: مبادئ وقيم المنتصر بتحقيق هدفه
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ (غافر:51) تؤكد الآية أن النصر الإلهي مطلقاً فهو شامل لأنبياء الله ورسله والمؤمنين كافة، ولا يختص بالحياة الدنيا بل يتعداها إلى الآخرة المرمى النهائي والمطلب الأساسي للإنسان في وصوله للحقّ، الوصول إلى الأهداف المشروعة والرفيعة بوسائل قوامها الالتزام بالمبادئ والأخلاقيات والقيم الإنسانية بمقتضى الفطرة والتشريع الإلهي لهو أعظم انتصار للإنسان في تغلُّبِه على النفس الأمّارة.

_شروط النصر والانتصار في القرآن:
من خلال استعراض الآيات القرآنية، يتضح أن النصر وعدٌ إلهي لا يٌنال بالتمنيات والرغبات البشرية المجردة. بل يتحقق وفق شروط معينة يبينها الحق سبحانه.
الشرط الأول: الإيمان مقروناً بالعمل
قال تعالى:﴿وكان حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين﴾(الروم:47)،
الآية تؤكد على أن النصر هو وعد إلهي مشروط بالإيمان الصادق المقترن بالعمل الصالح، فادّعاء الإيمان فقط لا يلزم منه تحقق الانتصار، فلابدّ من أن يشفع بالعمل الذي يترجم هذا الإيمان. وفي قوله تعالى:﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾(الحج:40) دلالة واضحة وقرينة على أن النصر سنّة إلهية، هذا النصر المنسوب من العبد إلى ربّه لا يعني على الإطلاق حاجة الله إلى نصرة أحد، فإنّه سبحانه واجب الوجود غنيٌّ بالذات والخلق كلهم محتاجون إليه، والمقصود من نصرة العبد لله سبحانه هو نصرة دينه، ونصرة نبيّه والأئمّة الأطهار (عليهم السلام)؛ بانتهاج نهجهم والالتزام بطاعة المولى كما يحب ويرضى فنصرتهم نصرة الله تعالى.
الشرط الثاني: الابتلاء والتمحيص
وقد جرت سنة الله عزوجل أنّ النصر والوصول للانتصار لا يكون دون دخول الإنسان لاختبارات إيمانية ومواجهة الابتلاءات ليتم استحقاق النصر على أثر التمحيص، كما أخبر بذلك في قوله تعالى ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ متَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيب﴾( البقرة:214).
الشرط الثالث: دور فاعلية الإنسان في تحقيق النصر الإلهي
سؤال يطرح نفسه: ما مدى فاعلية الإنسان ودوره في تحقيق النصر ونيل الانتصار؟ في معرض الإجابة نقول:
إنّ مبانينا العقائدية تؤكد على عدم التعارض بين حريّة الإنسان واختياره في فاعليته، وبين إرادة الله ومشيئته تعالى، “فالسنن الإلهيّة لا تجري من فوق رأس الإنسان بل تجري من تحت يد الإنسان، والله تعالى لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم، وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً”.

[2] فعندما يطلب الإنسان النصر لأجل رضا الله وإعزاز دينه وابتغاء مرضاته سيكون النصر نصراً إلهيّاً بكل معنى الكلمة.
_أسباب النصر الإلهي
وإن كان الله هو الفاعل الحقيقي للنصر لكن متعلق تقديره لذلك يكون وفقاً لأسباب عدّة تتعلق بالعبد نفسه نذكر من تلك الأسباب تبعاً لما ورد في الآيات القرآنية

  1. السبب المادي
    وذلك من قبيل إعداد العدّة والاستعداد للحرب ومواجهة العدوّ. وهذا ما ورد في قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِه عدو الله..}(الأنفال: 60) أمر عام للمؤمنين بالإعداد على فرض الوجود والاعتبار، وتهيئة مبلغ استطاعتهم من القوى في قبال العدو على فرض الوجود والاعتبار، والقوّة هي كلّ ما يتقوّى به على العدوّ في سبيل الانتصار عليه، “الإعداد وإن كان منه ما لا يقوم بأمره إلا الحكومات بما لها من الاستطاعة القوية والإمكانات البالغة لكن منها ما يقوم بالأفراد بفرديّتهم كتعلّم العلوم الحربية والتدرُّب بفنونها فالتكليف تكليف الجميع.” [3]
    لذلك أولى الإسلام اهتماماً بالعدّة مع التوكّل على الله والاعتماد عليه في تحقيق النصر، وقد عاصرنا تجربتين استقتا من هذا المنبع هما تجربة المقاومة الإسلاميّة التي استثمرت كل ما أتيح لها من قوّة واستعدادات حربية حقّقت انتصاراً تاريخياً على العدو الاسرائيلي ودحره، وإيجاد معادلة توازن ردع في مواجهة العدوّ، بحيث صار العدوّ أبعد ما يكون في تحقيق هدفه. والتجربة الثانية والأهمّ على مستوى الإعداد والقوّة العسكريّة هي تجربة الجمهوريّة الإسلاميّة التي جعلت قيادتها الحكيمة في رأس أولويّاتها الاكتفاء الذاتيّ في مجال التصنيع العسكريّ. وقد بدأ مفجّر الثورة الإسلامية التفكير في هذا الأمر مبكّراً، وقال في إحدى محاضراته في النجف الأشرف: “إنّ قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم …﴾ يدلّ على وجوب الاستعداد بكل ما تيسّر من وسائل الدفاع والهجوم. ولو أنّ المسلمين عملوا بهذا الحكم وأسّسوا دولة إسلاميّة مجهّزة بأساليب القوّة والاستعداد للتضحية، لما استطاع حفنة من اليهود احتلال بلاد المسلمين والتهديد بتخريب المسجد الأقصى وحرقه…”
  • [4]
  • السبب المعنوي
    فالجانب المعنوي له الأثر الكبير في تحقيق النصر، والتحفيز على الانتصار بحيث يتعدى الجانب المادي في العدة والعدد ويسقط العدد أمام من يتسلح بمعنويات عالية كلإيمان ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾( الأنفال: 65).الإيمان يزود المقاتل بطمأنينة وسكون النفس بالاستناد إلى الله الركن الوثيق مما يبعث على الاستبسال بكل قوة عبر استنزال المدد والعون الإلهي ليجعل الواحد من المؤمنين يعادل عشرة من عيرهم والعشرة يغلبوا مئتين، وهكذا لتكون الروح الإيمانية بما تتزود من قوة غيبية تغدو سلاحاً قوياً باعثاً للنصر، والربط بين الإيمان والنصر من الأمور التي يمكن للإنسان أن يدركها، وهو ما يؤكده قوله تعالى: { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } (الروم: 47) الأصل انه لا حقّ لأحدٍ على الله سبحانه فكل ما يهبه ويعطيه للعباد هو من فاضل جوده وكرمه وفضله عليهم لا باستحقاق لهم عليه، لكنّ الله تعالى كتب على نفسه الرحمة وكثير من الأمور صارت حق بالوعد الإلهي، والله الكمال المطلق لا يخلف وعده. قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنً﴾(النور : 55 )
    باقتران الإيمان للعمل الصالح يستلزم منه أن يؤثر العمل الصالح في تحقيق النصر كما يؤثّر الإيمان في ذلك. ولازم الإيمان الصبر عن الإمام السجاد عليه السلام: “الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له” [5]، إذ أنّ الصبر على تحمّل المشاق وتذليل الصعاب سواء في العبادات أو ساحات الجهاد جهاد النفس أو جهاد الأعداء في الخارج هو مفتاح أبواب النصر، باعثاً للنجاة من المهالك وتقوية العزائم والثبات حتى تحقيق الانتصار، فقوام النصر الصبر و الثبات والتوكّل والثقة بالله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران : 200 ).
  • السبب الغيبي
    وهو النصر الإلهي بمدد غيبي يتحقق عبر إعانة وواسطة ربانية لعباده الذين تقربوا إلى الله بنيات صادقة وأخلصوا له العمل بعقيدة راسخة أن لا مؤثرية في الوجود إلا لله الحق وهو السبب الأوّل والأخير في تحقيق النصر. المدد الإلهيّ والغيبي له مصاديق وموارد عديدة منها:
    • إنزال السكينة على المؤمنين
       ﴿وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ..}(الفتح : 4)
    •  قذف الرعب في قلوب الأعداء: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾(الأنفال : 12)
    • تثبيت أقدام المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾(محمد : 7).
    • أرسال جنود من الملائكة: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ(الأنفال : 9).

وغير ذلك من طرق العون والمد الرباني لمؤازرة المؤمنين ونصرهم في مواطن استنصارهم المولى القدير.
ويمكن تحديد الهدف الأساسي للنصر الإلهي كما بينه القرآن أنه ليس هدفاً بحد ذاته بل هو وسيلة لإقامة العدل في الأرض ﴿ٱلَّذِینَ إِن مَّكَّنَّاهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ﴾ (الحج: 41).
أي أن الغاية من النصر هو إصلاح المجتمع، ليعيش الإنسان حياة تنعم بالااستقرار ويستشعر فيها الأمن والأمان.

المحور الثاني: رؤية أهل بيت النبوة لعقيدتي النصر والانتصار
يمثل نهج نبينا الأكرم وسيرته هو و أهل بيته الأطهار (عليهم السلام) امتدادًا نقيًا للرسالة الإسلامية في فهم العقيدة، والأخلاق، والحياة. ومن أبرز المفاهيم التي تناولها الأئمة (عليهم السلام) بتأصيل عميق، مفهوما النصر والانتصار. فالنصر عندهم ليس محدودًا بالانتصار العسكري أو السياسي، بل هو نصر الحق على الباطل، والعدل على الظلم، والفضيلة على الرذيلة. إذا ما تتبعنا سيرة الرسول (ص) نجد أنه بعد هجرته إلى المدينة قاد ثمان وعشرون غزوة حقق فيها انتصارات كبيرة بسبب المد الإلهي وتأييده بالنصر المبين إضافة إلى أسباب عسكرية وما تتمتع به قيادته الرساليّة من صفات مثالية، كان نصر الله للمؤمنين في بدر بالقوة المعنوية، حتى في أحد كان هناك نصر للمؤمنين تلا هزيمتهم على أثر مخالفة الرماة لأوامر الرسول، هناك حالات يتم فيها النصر في صورته الظاهرة القريبة ذلك حين تتصل هذه الصورة الظاهرة القريبة بصورة باقية ثابتة، لقد انتصر رسول الله (ص) في حياته؛ لأن هذا النصر يرتبط بمعنى إقامة هذه العقيدة بحقيقتها الكاملة في الأرض، فهذه العقيدة لا يتم تمامها إلا أن تهيمن على حياة الجماعة البشرية. إلتحم شكل النصر القريب بشكل آخر أبعد منه حتى أصبحت هذه الصورة الظاهرة مع الصورة الحقيقية على وفق تقدير الله وترتيبه” [6]


_ النصر والانتصار في فكر أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
صدرت شبهة ممن له رؤية محدودة أفق ضيق وقد اقتصر نظره على الماديات، فكان إشكاله حول حديث الغدير و دعاء النبي للإمام علي في أن ينصر من نصره، فكان موضع الشبهة أنّ النبي مستجاب الدعاء ولم ينتصر علي و لا شيعته في التاريخ، المستشكل لم يصل لدرك معنى النصر إلاّ بالمعنى المتبادر عادة – الغلبة – وجهل العديد من معانيه في موارد مختلفة، لم يقصّر أهل الاختصاص في الكلام وعرض شواهد وأدلة من كتب أهل العامة في بيان معاني النصر وشرح مواردها بحيث تمّ الردّ على شبهة ابن تيمية بخصوص نصر الامام علي (عليه السلام ) [7] لو أمعن الباحث عن الحقّ في كلام أمير المؤمنين (ع) مدققاً في محتواه ضمن الدائرة الكاملة لحقيقة معنى النصر وموارد تحقق الانتصار لتوصّل إلى معرفة أن الإمام (عليه السلام) يؤكد على أن النصر الحقيقي يتحقق حين يكون المبدأ صحيحًا، والموقف نزيهًا. قال (عليه السلام): “إن الحق ثقيل مرئ، وإن الباطل خفيف وبئ” [8]
وقال أيضًا في خطبة له: “إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء…” [9] فليرضَ الغني بذلك القضاء، وليصبر الفقير على البلاء، فإن النصر مع الصبر .وفي معركة صفين، حين عاتبه بعض أصحابه على عدم استخدام الحيلة، قال: “والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس”[10]. هذا يكشف أن النصر عند الإمام علي لا يُطلب بالغدر والخيانة، بل بالحق والصدق.


_ المعنى الواسع لمفهوم النصر الإلهي في انتصار الدم على السيف
يُجسّد الإمام الحسين (عليه السلام) المعنى الأعمق للنصر، وهو انتصار الدم على السيف، انتصار القيم على الواقع الفاسد. قال (عليه السلام) قبل خروجه من المدينة:
“إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولا ظالمًا ولا مفسدًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي” [11]، بحيث كانت حركة الأمام الحسين تسير وفق المسار الطبيعي لمنهج حركة أنبياء الله وأوليائه الصالحين الآخذين بأيدي الناس إلى مسالك طريق الله تعالى ودعوتهم إلى إعلاء كلمته وتوحيده الخالص، قال النبي عيسى عليه السلام {من أنصاري إلى الله} فنصرة النبي والأئمة المعصومين ع هي نصرة لدين الله تعالى
بكل المقاييس، لذلك قام الامام الحسين (ع) أيضاً بنفس هذا العمل ووقف في قبال جيش يزيد قائلاً : “إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينا أحق بالبيعة والخلافة” [12] وها هو المشهد الكربلائي الحسين على رمضاء كربلاء أعيته جروحه البليغة، وحوله تناثرت جثث أهل بيته وأصحابه، وفي الأفق صيحات أطفاله ” العطش العطش” وعويل النساء والثكالی، حينذاك جمع حفنةً من التراب، ووضع خدّه عليها، وناجی ربّه قائلاً: “إلهي رضاً برضاك، لا معبود سواك” [13] لينتهي المشهد بشهادة الإمام (ع) ومن كان معه من الأنصار، عند تقييم المعركة عسكرياً يحكم بانتصار جيش يزيد، لكن النصر حقيقة كان لشهداء كربلاء؛ بانتصار خطهم الرسالي وخلود ثورتهم الجهادية مشعلاً لأحرار العالم والمنتفضين في وجه الظلم، فالانتصار هنا لم يكن بالبقاء الجسدي، بل بالبقاء الروحي والفكري، واستمرار تأثير ثورته على مدى العصور. إنه (عليه السلام) كان يعلم أن‌ّ السبيل الوحيد لحمل الرسالة إلی القلوب هو استشهاده وأن‌ّ قطرة الدم أبلغ أنباء من الكتب والخطب. وقد عب‍ّر أحد الشعراء عن هذه الحقيقة بلسان حال الإمام (عليه السلام): “إن‌ْ كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني”.
هذا هو النصر المطلوب ليس كما يری أكثر الناس من الذين يقعون فريسة للمقاييس المحدودة في تقييم مفهوم النصر، إذ يعتبرون الانتصار يتمثل في الانتصار الظاهري انتصار أفراد على آخرين ضمن المعركة مع الأعداء، أو السيطرة علی الملك والجلوس على كراسي الحكم لمدة وجيزة، هؤلاء يعيشون حالة عشاوة البصر والبصيرة، فلا يطال فكرهم انتصار الهدف الأكبر وهو نصرة دين الله و الغاية هي مبلغ رضاه في نشر رسالة السماء والعمل بتكاليف الإله الواحد الأحد. إنّ نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) أبرز مثال علی المعنی الواسع لمفهوم النصر وتحقيق الانتصار الكامل يصفه سيد قطب بقوله: «الحسين – رضوان الله عليه – وهو يستشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب، المفجعة من جانب، أكانت هذه نصراً أم هزيمة؟ في الصورة الظاهرة وبالمقياس الصغير كانت هزيمة، ولكن طبقاً للحقيقة الخالصة وبالمقياس الكبير فقد كانت نصراً، فما من شهيد في الأرض تهتزله الجوانح بالحب والعطف وتهفو له القلوب وتجيش بالغيرة والفداء كالحسين رضوان‌ الله عليه، يستوي في هذا المتشيعون وغير المتشيعين من المسلمين وكثير من غير المسلمين» ليصبح شهيد كربلاء نبراس هداية لحركة الثائرين ضد الظالمين، فالحسين هو الذي علّم غاندي كيف ينتصر بشهادة مقالة غاندي المشهورة: “علمني الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر” [14]، أيضاً العالم شهد في عصرنا انتصار الثورة الخمينية التي تمثل استمراراً للنصرة الحسينية، ولا زالت تثمر انتصاراتها لايران وحركات المقاومة في المنطقة.
ليس هناك حدث تاريخي أو ثورة أو حركة اجتماعية توفر لها خلود وبقاء ودوام وتأثير كما هو الأمر بالنسبة لثورة الإمام الحسين عليه السلام، مع أنها من حيث العمر الزمني كانت محدودة فالمعركة لم تتجاوز اليوم بعد بضعة أشهر سفر من المدينة إلى كربلاء، وأنصارالحسين (ع) في ثورته كانوا قلًة سبعين شخصا ونيف، قتلوا جميعاً. فكان الامام زين العابدين (ع) هو من أسس لتخليد هذه الثورة حتى صارت مهمة أساسية في عهد إمامته، خلال ثلاثين عاماً عاشها بعد استشهاد أبيه كما في الروايات وكان دائم البكاء والتحسر على ما جرى على أبيه وآله في كربلاء، لم ذلك مجرد حالة عاطفية فقط، بل هي مهمة أساسية لبيان مظلومية الحسين وحقيقة ثورته وهدفيتها.
 كذلك نجد السيدة زينب بنت أمير المؤمنين (ع) قامت بدور عظيم في تحطيم النصر الأموي المادي وقلبته إلى هزيمة نكراء أمام انتصار ثورة أخيها بكربلاء، فلولا الوجود الزينبي لسقطت راية النهضة الحسينية فهي التي حفظت الأيتام والنساء وحامت عن الامام السجاد (ع) فمنعت عنه القتل وقد زلزلت بمواقفها الصامدة وخطبها الشهيرة عرش الطغاة وفضحت جرائمهم، أيضاً كانت دارها دار عزاء وتخليد لذكرى ثورة الإمام الحسين (ع)  ولذلك انزعج الوالي الأموي على المدينة سعيد بن العاص من دور السيدة زينب في هذا المجال، فكتب إلى يزيد: إن كانت لك حاجة في المدينة فأخرج زينب منها، فإنها تعبئ الرأي العام ضد بني أمية. وبالفعل سبب ذلك إخراج السيدة زينب (عليها السلام) من المدينة. [15]


النصر والانتصار في الرؤية المهدوية:
للانتصار مع الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف معنى آخر، ومفهوم مختلف، هو انتصار ظاهري وباطني، انتصار على أعداء الإنسانية والحق، الظالمين، المستكبرين، الذين ملأوا الأرض ظلماً وجوراً، ووصل ظلمهم إلى جميع البشر بأجمعهم، بقتلهم، وإزالتهم من العالم. وانتصار على الباطل والمعتقدات والآراء والسبل والمفاهيم والأفكار الشيطانية الفاسدة التي دمرت البشرية، وأوصلتها إلى الحضيض حتى صار الإنسان حيواناً شرساً يفترس بعضه البعض وصار المجتمع البشري موبوءاً بالأمراض النفسية الروحية والجسدية وبخبر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجلا من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا” [16] إن هذا الانتصار وعد إلهي كتبه اللَّه عزّ وجلّ على نفسه في الزبور والذكر الحكيم، وسبقت به إرادته وقضاؤه. ووعد محتوم أكده رسول الله (ص) سيتحقق حتى ولو بقي من عمر الأرض يوم واحد.
من مجمل سير هذا البحث المتواضع يتبين لنا أنّ أنصار الحقً انتصروا على أنفسهم أولاً فانتصروا باطناً وكان لهم النصر الحقيقي، لذا فإن النصر في زمن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف كذلك مرتبط بالنصر الحقيقي الذي يرتبط بالنصر على النفس وشياطين الباطن ولذلك الرواية الشريفة عندما تصف أنصار الإمام المهدي عجل اللَّه فرجه الشريف، وتصف إيمانهم، ويقينهم، واعتقادهم بإمامهم تؤكد هذا المعنى فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في أنصار الإمام القائم عجل الله فرجه الشريف: “رجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات اللَّه أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها… بسرج الإمام عجل اللَّه فرجه الشريف يطلبون البركة، ويحفون به، يقونه بأنفسهم في الحروب لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل. يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم. رهبان بالليل ليوث بالنهار. هم أطوع له من الأمة لسيدها. كالمصابيح، كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية اللَّه مشفقون. يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل اللَّه. شعارهم يا لثارات الحسين، إذا ساروا، يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر…” [17].
إذاً تحصيل التوفيق ليكون الإنسان من أنصار الإمام صاحب الزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) يتطلب ذلك أولاً النصر على جنود الشيطان في مملكة النفس وباطنها، وجهادها، وإزالتها من ملكوت النفس، ولا يكون ذلك إلا بعقيدة قوية يلزم منها طاعة للَّه تعالى والتزام أوامره وتكاليفه مع تقديم رضاه على رضا غيره، بل في إزالة كل غير له من القلب. يقول الإمام المهدي القائم عجل اللَّه فرجه الشريف: “ولو أن أشياعنا وفقهم اللَّه لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه، ولا نؤثره منهم، واللَّه المستعان.” [18]
بناء على ذلك يلزم العودة إلى الروح، هذه الروح التي غابت وحلّ مكانها الجسد والأهواء المادية والدنيوية. فإذا عدنا إلى الروح، وعملنا على إحيائها وبالذكر، وجهدنا في تصفيتها بالتقوى والزهد والورع، وزينّاها بالطاعة لله ولأوليائه، تزول الجبال ولا نزول، ونكون من الذين نصروا اللَّه فنصرهم. وخصوصاً أن النصر مع الإمام المهدي عجل اللَّه فرجه سيكون نصراً مادياً وظاهرياً إضافة إلى النصر المعنوي الذي يتميز به أنصار الإمام عجل اللَّه فرجه. فلننتصر لله عزّ وجلّ ولرسوله صل اللَّه عليه وآله وسلم ولوليه عجل اللَّه فرجه عسى أن نلتحق بالنصر الحتمي الإلهي. ولينصرن الله من ينصره.


_ توصيات قادة النصر في عصرنا
في نهاية المطاف أحببت أن أستحضر كلمات لعلماء من قادة أضاؤوا زماننا بنصر خطوه على درب الثورة الحسينية بقوة إيمان وعقيدة راسخة أفرزت عملاً وجهاداً أنبأ عن نصر مؤكد و حتمية انتصار جبهة الحق إذا ما تم العمل بتوصياتهم.
١-  من كلام الامام الخميني (قدس سره):
ينبغي أن نضم صوتنا إلى صوت الشعب المظلوم المنتفض داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن نقدم الدعم العملي لتظاهراته وانتفاضته في مقابل ظلم “إسرائيل” ليتغلب على هذا الغول المفترس والغاصب الملحد، مثلما أسقطت إيران بالتظاهرات والثورة الإسلامية نظام الظلم الملكي، والأمل أن يستمر المظلومون في المناطق المحتلة بتظاهراتهم وقيامهم ضد الصهاينة حتى يحققوا النصر” [19]

وبهذا الصدد يخاطب الإمام الخميني الشعب الإيراني المنتصر إبان الثورة الإسلاميّة الظافرة في إيران عام 1979 بقوله: “الحق منتصر، وما دمنا في طريق الحق فنحن منتصرون، والباطل مهزوم وكل من يسير في طريق الباطل فسوف يكون مهزوماً… لقد كان الحق معكم حينما هتفتم: نحن نريد الإسلام ولا نريد الكفر والشرك. [20]


٢ – من كلام السيد الشهيد حسن نصر الله (قدس سره):
‘إيران ستكون أخاً وجاراً وصديقاً لكل محيطها العربي والإسلامي وقوة لكل هذه الأمة. ولكن ماذا جرى؟ ردوا يد الإمام إلى فمه، وحاسبوه على النوايا كما يحصل اليوم. تقف وتقول لهم، هذه المقاومة قوة لكم، هذا النصر لكم، حاضرين أن تقدموا شهداء معاً أهلاً بكم، وإذا كنتم غير حاضرين فنحن لا نتخلى وحاضرين أن نقدم أنفسنا وأولادنا شهداء، هذا قوة لكم، فيجبك نحن لا نريد!” [21]

فإنّ نصر المبادئ يكون عادة نصراً للعقائد والأفكار والقيم. بعيداً عن الأبعاد الماديّة، و يكون التأكيد على مدى تضحية الفرد أو المجموعة في سبيل المبادئ والاعتقادات. ويترتب على ذلك استمرار عملية المواجهة بين الحق والباطل والحفاظ على أمور مفصلية تميّز الحقّ عن الباطل.


من كلام السيد الخامنئي (دام ظله):
هناك جبهة تسعى نحو الحق وتطلبه، الجبهة المقابلة لها تجري وراء الباطل. إذا خاف أهل جبهة الحق، فمن الواضح أنّهم سيُهزمون؛ هم على حق لكنهم حينئذ يُمنون بالفشل. عندما يُظهرون عدم الصبر ويملّون بسرعة، لا شكّ في هزيمتهم. أحياناً ينطقون بكلام الحق ولكن لا يعملون بمقتضياته. يجرون وراء الدنيا والماديات وطيب العيش؛ بالطبع سيُهزمون. لم يعطِ الله لأحد إمضاءً على بياض: لأنّكم على حق فأنتم حتماً منتصرون. كلا، أنتم ستنتصرون، لأنّكم على الحقّ ولأنكم ثابتون مستقيمون على الحقّ. إذا صمدتم ستنتصرون. ولكن إلى أن يحصل النصر النهائي فهناك صراع وكفاح وتحدٍّ مستمرّ.
[xxii]

الخاتمة وأهم نتائج البحث:
▪ النصر من النعم الإلهية التي يمكن نسبتها إليه تعالى، ويتحقق ذلك عندما يطلب الإنسان النصر لأجل الله وإعزاز دينه عندئذ سيكون نصراً إلهياً.
▪ إنّ إيضاح عقيدتي النصر والانتصار تحت مجهر الرؤية الصحيحة للقرآن والعترة الطاهرة له من الأهمية البالغة في حياتنا المعاصرة، والحال أنّ الأمة تمرّ بفترة عصيبة، فأضحت الحاجة ماسة لمعرفة حقيقة النصر والانتصار وفق سنن الله الجارية؛ ليتم تشخيص الأهداف المطلوبة وكيفية الوصول إليها. كشفت هذه الرؤية أن النصر له من المعاني ما هو أوسع دائرة من المعنى الشائع والمتبادر إلى الذهن بأنه هو غلبة جهة على أخرى على مستوى فردي أو جماعي، فالنصر أعم من الغلبة في ساحة قتال ليشمل غلبة المبدأ والقيم للمنتصر من أجل تحقيق هدف سامي.
▪ الوعد الإلهي بحتمية نصر المؤمنين، وهو ما يعبر عن حقيقة اعتقادنا ويلزم أن ينعكس في أدبياتنا؛ بأن ننسب النصر لله تعالى لا لأنفسنا.
▪ الإيمان، الصبر، الثبات … الخ من مبادىء
العقيدة التي جانست فكر المؤمنين وحثهم على نصرة الحق ضد الباطل وبالتالي النتصار لدين الله.
▪ الرؤية الإمامية لعقيدتي النصر والانتصار ليست آنيّة أو سطحية، بل هي ممتدة عبر الزمن إلى قيام الحجة المنتظر (عج) وبسطه للعدل، وهي رؤية عميقة ومتجذرة تنبع من فهم واعي لحقيقة المعتقدات الأساسية، تدعو أتباعها للصبر والثبات لهدف تحقيق النصر.
▪ تمثل النهضة الحسينية أبرز وأعظم مثال لتحقيق النصر المعنوي وتجسيد انتصار الحق على الباطل وانتصار الإيمان على الكفر بانتصار الدم على السيف.
▪ يتمثل النصر الشامل والكامل في فكر أهل البيت بظهور الإمام المهدي (عج)، وهو الامتداد الطبيعي لسيرة النبي الأعظم و العترة الطاهرة من أهل بيته صلوات الله عليهم، فهذا هو النصر النهائي الذي وعد الله به عباده المظلومين.
▪ يؤكد الأئمة أن النصر يبدأ من الداخل، من انتصار الإنسان على هواه ونفسه الأمارة.
▪ إن النصر في فكر أهل البيت (عليهم السلام) ليس نصرًا محدوداً بزمان أو مكان، بل هو نصر دائم يتجدد بالصبر، والإيمان، والصدق في الموقف. لقد غيّروا مفهوم النصر من معركةٍ مادية إلى معركةٍ روحية وأخلاقية، وأثبتوا أن إخلاص العمل لله يثمر في استنزال النصر الإلهي بإذنه تعالى .
▪ تمّ التأكيد على نصر المبادىء والاعتقادات من قبل الفرد أو الجماعة في استمرار عملية المواجهة بين الحق والباطل والحفاظ على خطوط أساس تميّز بينهما، وبالتالي السعي في النهوض للتغيير، لنفهم الرؤية الصحيحة للنصر والانتصار المتأصل في المنظومة الإسلامية.
وآخر دعوانا الحمد لله وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين.


[1] انظر: تفسير الميزان – السيد الطباطبائي – ج ٩ – الصفحة ٢١٨.

[2] المدرسة القرآنية – محمد باقر الصدر – ص٦٢

[3] الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي، ج9، ص115.

[4] مقالة: أسباب النصر 1-الأسباب المادية / شبكة المعارف الإسلامية – https://almaaref.org.lb/post/14374/  نقلا عن الإمام الخميني، ولايت فقيه – ص 33).

[5] الكافي – ج ٢ – ص٨٩.

[6] أسباب النصر في القرآن الكريم، مجلة كلية الامام الكاظم ع للعلوم الاسلامية، المجلد الثالث، العدد الثالث، ص١٠٧.

[7] فليراجع مقالة بعنوان: تحقق دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن الله ينصر من ينصره، مركز الأبحاث العقائدية، https://aqaed.net/faq/5748/ .

[8] بحار الانوار – العلامة المجلسي – ج٦٧ – ص١٠٧.

[9] المصدر السابق – ج ٩٣ – الصفحة ٢٢.

[10] نهج البلاغة – ج٢ – ص١٨٠ – الخطبة ٢٠٠.

[11] تاريخ الطبري، ج٤، ص٣٠٤.

[12] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٤ – ص ٣٢٥.

[13] من اخلاق الإمام الحسين ع – عبد العظيم المهتدي البحراني – ص١٤.

[14] الانتصار – العاملي – ج٩ – ص٥٦٣.

[15] انظر: الأمن الاسلامي ومستقبل الأمة – الامام الخميني ومفهوم إزالة اسرائيل من الوجود – حميد حلمي زادة، ص ٥٢٣..٥٢٦.

[16] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٥١ – الصفحة ٧٤.

[17] المصدر السابق – ج ٥٢ – ص٣٠٨.

[18] المصدر السابق – ج ٥٣ – الصفحة ١٧٧.

[19] القضية الفلسطينية في كلام الإمام، ص٢٣٤.

[20] الاستقامة والثبات في شخصية الامام، ص١٩٧.

[21] كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في الذكرى السنوية السابعة عشرة لرحيل الإمام الخميني (قدس سره).

 6-6-2006م.

[xxii] من كلمة الإمام الخامنئي عند لقاء أفراد التعبئة في محافظة كرمانشاه 14-10-2011 م.

المصادر والمراجع:

  1. القرآن الكريم
  2. الشريف الرضي – ابو الحسن محمد، نهج البلاغة، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت – لبنان لا.ط، لا.ت.
  3. الاستقامة والثبات في شخصية الامام الخميني، ترجمة الشيخ كاظم ياسين، مركز الامام الخميني الثقافي، ط١، ت ١٤١٣هـ – ١٩٩٢م. 
  4. زادة – حميد حلمي، الأمن الإسلامي ومستقبل الأمة، حوزة الامام الخميني للدراسات الإسلامية، دمشق -سورية، ط٣، ت ١٤٢٦هـ – ٢٠٠٥م.
  5. الصدر – محمد باقر، المدرسة القرٱنية، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، ط٢، ت ٢٠١٣م.
  6. الطباطبائي – محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان، ط١ ، ت ١٤١٧ ھ – ١٩٩٧م.
  7. الطبري – ابي جعفر محمد بن جبير، تاريخ الطبري، دار المعارف، ط٤، لا.ت .
  8. العاملي – محمد بن الحسن، الانتصار، دار السيرة، بيروت -لبنان، ط١، ت ١٤٢٢هـ .
  9. القضية الفلسطينية في كلام الامام الخميني، دار الوسيلة، بيروت – لبنان، لا. ط. ت ١٤١٦ هـ – ١٩٩٦م.
  10. الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، المكتبة الإسلاميّة، بيروت – لبنان، ط١، ت ١٤٢٨ھ، ٢٠٠٧م.
  11. مجلة كلية الامام الكاظم (ع) للعلوم الإسلامية، أسباب النصر في القرآن الكريم، المجلد الثالث، العدد الثالث، سنة ٢٠١٩ م – ١٤٤١ هـ .
  12. المجلسي ـ محمد باقر، بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، ط٣، ص١٤٠٣ ه‍ – ١٩٨٣ م.
  13. المهتدي البحراني – عبد العظيم، من اخلاق الإمام الحسين (ع)، انتشارات الشريف الرضي، قم -ايران، ط١، ت ١٤٢١هـ – ٢٠٠١ م.
  14. مقالة على الشابكة الانترنيت بعنوان: أسباب النصر 1-الأسباب المادية /شبكة المعارف الإسلامية – https://almaaref.org.lb/post/14374/
  15. مقالة على الشابكة الانترنيت بعنوان: تحقق دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن الله ينصر من ينصره، مركز الأبحاث العقائدية، https://aqaed.net/faq/5748/

المنشورات الأخرى

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

المنشورات الأخيرة

المحررون

الأكثر تعليقا

المقاطع المرئية