مقاربة في الفكر التفسيريّ للإمام الخامنئي (دام ظلّه)
الملخص:
يركّز الإمام الخامنئي (دام ظلّه) في كثير من خطاباته على خطورة الحرب الناعمة، وما تفرضه من مقاربة ثقيلة في مقابل الحرب الصلبة، فمفهوم الخسارة، أو الانهزام بينهما يتجاوز الحدود التقليدية للحسابات العسكرية، والسياسية الماديتين؛ فالخسارة في الحرب الناعمة تعني الانهزام العقديّ، والسقوط التام عند منظومة فكرية تؤمن بوجود الحياة الآخرة، وتخالف رؤى العدو الاستكبارية التقليدية المادية في حساباتها تمامًا.
وفي خضم الأحداث المتسارعة التي كان آخرها شهادة سيّد المقاومة، وثلّة من القادة المجاهدين فقد افترضت الحرب الناعمة في واحدة من تقنياتها المعقدة مخادعة في المفاهيم افترضت جدلية الانتصار في مقابل الهزيمة في معادلة الجهاد، وهو فرض قسريّ للعقلية الاستكبارية تستدعي فرض الرؤى والمفاهيم المادية في مقابل الرؤى القرآنية التي تفترض وجود التساوي الإيجابيّ لمفهومين؛ هما النصر والشهادة في مقابل ضدّي للهزيمة، وبعبارة أكثر وضوحًا فإنّ القرآن الكريم رسّخ وجود طرفين إيجابيين اثنين؛ هما النصر، والشهادة أمام طرف سلبيّ واحد هو الهزيمة. وما تفترضه الحرب الناعمة هو التأسيس لهذا التنظير القرآنيّ الذي يخلق التوازن، والصمود، والاستمرار في مواجهة القوة الاستكبارية.
وعليه فإنّ طبيعة البحث منهجيًا تقتضي متابعة الآراء التفسيرية التي دوّنها الإمام الخامنئي (دام ظله) على مجموعة من الآيات القرآنية التي تشكل تحديدًا لخارطة المفاهيم لهذه المعادلة الإلهية، وتطبيقاتها الواقعية، فقد قُسّم البحث على مقدمة تكشف عن طبيعة الظروف الراهنة وتحديد نقاط ارتكاز المفاهيم التي يدرسها البحث، وجاء المطلب الأوّل ليدرس مرجعيات جدلية قطبي المعادلة الإيجابيين؛ النصر، والشهادة، في مقابل الهزيمة، أما المطلب الثاني فيلقي الضوء على تحديد رؤية الإمام الخامنئي التفسيرية لهذه المفاهيم الثلاثة.
المقدمة:
تعدّ حرب الثقافة من أخطر الحروب؛ كونها الموجه الحقيقيّ للحرب الصلبة، فالتوجيه نحو التحكم بالعقول هو الفاعل في صنع الهزيمة، والانتصار، فـ”الهجوم الثقافي هو أن يلجأ العدو – بعد عجزه عن بلوغ غاياته من خلال الوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية، وبعد أن أخفق سماسرة أمريكا بجعل العالم يقطع علاقاته الاقتصادية بإيران الإسلامية، وبعد فشل مساعي أعدائنا لمنع بلدنا من التقدم والإبداع – إلى الوسائل الثقافية، أي الإعلام، الفن، الكتاب المقال، الرواية، الأفلام الأجنبية وإنتاج المواد الثقافية الأخرى بواسطة أشخاص يعيشون في إيران الإسلامية، لكن قلوبهم لا تخفق لإيران ولا للشعب الإيراني، ولا لعقائد هذا الشعب ومصالحه، بل يمكن المصالح أميركا والمنابع الفساد الملوّثة والعفنة في البلدان الغربية” [1] وهو ما حصل بقوة بعد استشهاد القادة، فقد استعرت الحرب الثقافية الناعمة بقوة، والتنبيه عليها، ومواجهتها بحرب مضادّة هو من أوجب الواجبات، إذ لا بدّ من الالتفات إلى قدرات العدو، وتنوع أساليبه المتطورة في هذه الحرب.
ويقدّم فكر الإمام الخامنائيّ (دام ظله) مجموعة من الرؤى الممنهجة في العمل الجهاديّ، وهي على أهميتها الكبرى لا يمكن أن تكون فاعلة ما لم تكن متلازمة مع جهاد التبيين الذي دعا إليه سماحته؛ ويمكننا مع ما تعرضت له ساحة الجهاد الإسلامية من ضغوط الاستشهاد لثلة من القادة القول: إن جهاد التبيين، ومعرفة قواعد العمل، ونقاط الارتكاز المؤثر أن نقدّم رؤية واقعية تمنح الواقفين في ساحة الجهاد الصمود الأكبر. يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «عندما لا نبلغ، أو عندما لا تظهر الحقائق، وعندما لا نبيّن المعارف الإسلامية بالنحو الصحيح، ولا نبيّن التوحيد بذاته، ولا نتحدّث عن الحكومة الإلهية، وعن ضرورة عبودية الإنسان لله ، وعن ضرورة تسليم الإنسان في مواجهة أحكام الله، فإنّ التأثير الناتج عن عدم الدفاع، وعدم التبيين، وعدم التبرير الصحيح، لا يكون محدودًا بحدود معينة ، بل يشمل الجميع” [2].
لا يقف الجهاد أمام حدود ثابتة، فالجهاد في حقيقته مراحليّ لو صحّ هذا التعبير، لا يمكنه الركون أمام مرحلة، إذ “ينبغي في مفهوم الجهاد ملاحظة الاستمرارية والنظر للأمر من جميع الجوانب؛ فالعمل الجهادي ينبغي أن يكون هادفًا، وينبغي أن ينسجم والشعارات، وأن يُنجز بذكاء وعقلانية، وأن يكون محطمًا للعدو، يعني كما أننا نستخدم نفس معنى عبارة النضال والكفاح في المصطلح العادي، فنقول: «أنا أناضل وأكافح؛ وهذا نضال ومواجهة فهذا هو التعبير المصطلح والمستخدم، كذلك هذا المعنى موجود في الجهاد” [3]<
نحن أمام مقاربة لفكرتين متضادّتين؛ هما الانتصار والهزيمة، ولكلّ واحدة منهما تشظياتها المتعددة، فالشجاعة مفهوم يمكن أن يتعلّق بالانتصار والهزيمة في وقت واحد، ” فالتدبير لازمٌ وكذلك الشجاعة. ولو لم توجد الشجاعة وضعف المرء مقابل أبّهة وهيمنة وسيطرة الحكومات المستكبرة فإن الهزيمة حتمية” [4].
ولكن الأكثر عمقًا وتأثيرًا هي الهزيمة الأخلاقية التي يعبّر عنها الإمام الخامنائيّ قائلًا: ” كذلك، فإنّهم قد هُزموا وفشلوا في المجال الأخلاقيّ، حسنٌ، إنّ حضارة الغرب الحاليّة قد قامت على أساس الدفاع عن الإنسان، لقد بُنيت كلّ هذه الحضارة على أساس “الأومانيسم” (النزعة الإنسانيّة) وأصالة الإنسان، ما يعني بأنّ “الإنسانيّة” ستكون العنصر الأصلي والهدف الأصلي، والقبلة الأولى لهذه الحضارة، هذه الإنسانيّة قد سُحقت اليوم في نظام الغرب الحضاري” [5]. والحرب الناعمة التي يستعر أوارها يضعنا أمام زرع للمفاهيم الخاطئة، والقيم الزائفة، حدّا يجعل من الهزيمة التي أصابت العدو انتصارًا، نحن أمام هزيمة زائفة يروّج له العدو، ويجب التحذير منها.
وفي مقابل ذلك “ينبغي علينا إدراك أنَّ الجهاد وعد إلهي بالنصر، لا يمكن أن تهزم إذا نصرنا الله سبحانه وتعالى، يقول سماحته: «واعلموا أن الجهاد في سبيل الله وعد إلهي بالنصر؛ فعندما تتحرّكون لله وفي سبيل الله ستصلون إلى النصر، ولا يمكن لأية قوّة أن تتغلب عليكم. هذا وعد الله” [6]
المطلب الأول: مقاربة تفسيرية في الجهاد.
يبرز الإمام الخامنائيّ (دام ظله) في تفسيره لمجموعة من آيات الجهاد فهمًا يحاول الجمع بينما هو غيبيّ الإسناد من جهة، وواقعيّ الفعل والعمل من جهة أخرى، ففي تفسير قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾[7] يضع المهمة الكبرى على عاتق المؤمنين” فلا يريد الله أن ينزل عذابه على الكافرين المستحقين للعذاب من عالم الغيب؛ بل أوكل هذه المهمة إلى المؤمنين، وجعلهم واسطة لتحقق هذه الإرادة الإلهيّة” [8]. وهذا التقييد بإخراج النصر من ساحة الفيض الإلهيّ المغيب إلى حيز الوجود الظاهر ينقل الجهاد من كونه فعلًا تكليفيًا مجرّدًا إلى قيمة مؤثرة” لارتباط وقوع العذاب بالواقع، وبذا يغلق الباب أمام مدّعي النصر الإلهيّ الغيبيّ بلا عمل، وتمهيد، وتخطيط فعليّ.
ويربط الإمام الخامنائيّ (دام ظله) في هذا المجال بين فاعلية نقل المدد الإلهيّ من الغيب إلى الظاهر بشرط العمل وما روّج له الأمويون من عقيدة الجبر؛ فالركون للفعل الغيبيّ بلا عمل لانتقاله إلى واقع الإمكان يضعنا أمام رؤي سلبية كثيرة الملامح؛ منها الانتظار السلبيّ للإمام الحجة (عجل الله فرجه)، والقول بالجبر؛ ومبنى ذلك في انتزاع القدرة الواقعية لأثرها في الفعل والتغيير، وفي هذا الخصوص يذكّر بقيمة التأثير السلبيّ هذا قائلًا: “وهذه الآية تكشف عن خطأ الاعتقاد الرائج بين الناس، وهو الاعتقاد بأن الله يجب عليه أن يفعل بيده كلّ ما يريد، ومن مساوئ هذا الاعتقاد الخاطئ الإحساس بعدم تحمّل المسؤولية عن بذل الجهد والتشمير عن ساعد الجد. وقد كان تجلّى هذا الاعتقاد غير الصحيح وتجسّد بأشكال عدة فمرّة أخذ اسم الاعتقاد بـ«الجبر»، ومرّة تعنون بعنوان «انتظار الفرج»، وأفضى بأشكاله وألوانه إلى جمود المجتمع الإسلامي؛ بل إلى انحطاطه وتراجعه، وهو في الواقع غطاء ظاهره شرعي لتبرير تخلي المسلمين عن أداء واجباتهم” [9]، ويلاحظ أنّ القيمة الحقيقية لهذه المقاربة مبنية على تعلّق العذاب الإلهيّ باليد، التي أشار القرآن الكريم إليها بقوله تعالى: بـ﴿ِأَيْدِيكُمْ﴾ ، والمقاربة التفسيرية مبنية على فهم معادلة توبيخية أشار إليها الزمخشريّ (ت ٥٤٦هـ) بقوله: لما وبّخهم الله على ترك القتال، جرّد لهم الأمر به فقال قاتِلُوهُمْ ووعدهم- ليثبت قلوبهم ويصحح نياتهم- أنه يعذبهم بأيديهم قتلاً، ويخزيهم أسراً، ويوليهم النصر والغلبة عليهم” [10].
يفتتح الإمام الخامنائيّ (دام ظله) تفسير سورة الفاتحة بربط الجهاد الذاتيّ بمقارعة الطواغيت، وهي مقاربة جريئة لربط السورة الأعظم في القرآن بمقارعة المستكبرين، وينطلق في تفسيره من حركة الجهاد الذاتيّ للمستكبر الأقرب، وهي النفس، والانتقال بعد ذلك إلى مقارعة المستكبرين في الخارج، يقول: “إذا استطاع الإنسان أن يتغلب على طاغوته الباطني، وعلى شيطانه الداخلي، وعلى المَلِك الغاصب الذي بداخله – أي ذلك المستبد الحقيقي -، وعلى شهواته ورغباته الباطلة، وأن يتفوّق عليها، سيستطيع أن ينتصر على أعظم قوى العالم” [11]، ويعقّب على استغراب المتلقي لهذا النصّ فيكمل قائلًا: “بالطبع هذا لا هو شعرٌ ولا هو إنشاء، إنها حقائق عينية؛ لطالما كنا نعتقد بذلك، وقد رأيناه بعد انتصار الثورة الإسلامية، بنسبة أقل أثناء فترة المواجهات ضد النظام، وبشكل كامل وجدنا ذلك أثناء فترة الثورة الإسلامية. إذا استطاع جمعُ أن يتغلبوا على أنفسهم، ستسهل عليهم التضحية. وإذا استطاع شعبٌ أو مجموعة أن يُضحّوا، لن تهزمهم أي قدرة. نحن نُهزم عندما نقصّر في التضحية. سوف ينتصر علينا العدو عندما لا نستطيع التغلب على أنفسنا. اللحظة الأولى لهزيمة الإنسان، هي لحظة هزيمته في باطنه. عندما يتغلب على الإنسان حب الحياة ومغريات الحياة وسائر العوامل التي تشبه حب الحياة – كالحسد والتنافس والغيرة وأمثالها، – سوف يؤدي ذلك إلى أن ترتجف يد الإنسان أثناء العمل؛ عندما ترتجف يدكم، ستقوى يد عدوكم؛ عندما ينحني رأسكم، سيرتفع رأسه؛ هذا أمر قهري” [12]، فهي معادلة لا تتقبل التغيير، ومع وضوح الشرط والالتزام به فتحقق النصر يكون حتميًا، لا يتخلّف ما لم يكن لله تعالى تخطيط هو أعلم به.
ويربط سماحته بين الجهاد والنصر، ويجعل من النصر سنة إلهية لا تقبل التغيير، ولا التخلف، قال في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَئِن نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَرَ﴾ [الحشر: ١٢] “الجملتان الأوليان تتحدّثان عن نفاق هؤلاء وكذبهم وعن ادعاءاتهم الباطلة والواهية، أمّا الجملة التالية فتتحدّث عن حقيقةٍ تاريخيّة وسنّةٍ إلهيّة مفادها: حتّى لو دافع هؤلاء المنافقون عن إخوتهم، فلن يقدروا على تحقيق شيء وسوف يُمنون جميعًا بالهزيمة؛ لأنّ السنّة الإلهيّة تقضي بلزوم انتصار الحقّ على الباطل. ولو اجتمع الكفّار والمنافقون وتحالفوا فلن يقدروا على فعل أيّ شيء. وهذا الأمر لا يقتصر على ذلك اليوم؛ إذ رأى المسلمون بأمّ العين كيف أنّ الكفّار والمنافقين عجزوا عن ارتكاب أيّ حماقة” [13].
وفي تفسيره لمفهوم العزة الذي يتكرر في آيات كثيرة يربط سماحته بين الغلبة، والنصر، وأن العزة هي ذلك النصر الحتميّ لله ورسله (عليهم السلام)، يقول: “ثمّة مطلبٌ مرتبط بمعنى العزّة وكيفيّة تعلّقها بالله وبالمؤمنين بنحو أو بآخر. العزّة تعني الرفعة والقوّة والحالة التي تمنع صاحبها من أن يُغلَب والإنسان العزيز هو ذاك الذي يحظى بحالة يكون معها حائزًا على الغلبة والقوة والقدرة. هذه الحالة الفائقة على موضوع ما – سواء أكان إنسانًا أو غيره – تُسمّى العزّة. وعكسها الذِلّة؛ وهي المهانة والخضوع والاستسلام … من كان يريد المنعة والغلبة والقدرة فليطلبها من اللّٰه تعالى؛ لأنها جميعها لله وحده، لا توجد عند غيره” [14]. وفي معادلة صارمة لتكوين الوعي الجهادي، وفهم خطوط الاشتباك بين المقاومة والعدو يبيّن سماحته الإجابة الفاصلة في فهم معنى الغلبة والعزة؛ ففي تفسير قوله تعالى ﴿أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ﴾ [النساء: ١٣٩] يقول مستغربًا من الوقوع في خطأ التشخيص “هل يطلب مَن يتّخذ آلهةً مزيّفة وواهية الغلبةَ والمنعة منهم؟ أيلجأ هؤلاء إلى المستكبرين فيطلبون منهم العزّة؟ تلاحظون أنّ الَّلجَأ إلى القوى المستكبرة الواهية واللواذ بأحضانها أمرّ رائج في الدنيا؛ لأيّ غرض؟ لكسب العزّة منها؛ أي الغلبة والمنعة والقدرة، هذا هو المبتغى. ثمّ يجيب سبحانه: ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾؛ لقد أخطأتم!” [15].
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرُ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [التغابن: ٣-٥] يشير سماحته إلى قاعدة فاصلة في معادلة الارتباط بين ما يحدث وخلق رؤية تحليلية له، يقول: “لاحظوا، هذه هي المعرفة الإلهيّة والإسلاميّة. هناك فرقٌ بين حياة ذاك الذي ينظر إلى كلّ هذا العالم كمنظومة منظّمة تتحرّك أجزاؤها بانسجام وفق قواعد وقوانين، وقد خُلقت لكي تُحقّق هدفًا وغاية محدّدة، وحياة ذاك الإنسان الذي لا ينظر إلى هذا العالم العظيم كمنظومة واحدة، ولا يعترف بوجود انسجام بين أجزائه، ولا يعترف بوجود أي حركة فيها، أو لا يعتبرها تتحرّك باتّجاه هدف محسوب، بل يعتبر أنّ العالم كلّه يتألِّف من أشياء مبعثرة ويظنّ أن على الإنسان وسط هذا التشكيل المبعثر أن يتحرّك نحو كلّ اتجاه يكون متاحًا له لكي يوفّر لنفسه ذاك الشيء” [16].
وفي ضوء الفهم التجزيئيّ للخلق، والكون فإنّ ذلك سيؤدي قطع الارتباط بين الأحداث، وفهمها، وعليه فإنّ أية حادثة مهما كانت قد لا تمتلك تأثيرًا فاعلًا إلا في حدود ضيقة، أما المؤمن الحقيقي فإنّ الأحداث ستكون على وفق منظومة متكاملة، وعليه يمكننا تفسير ما جرى في الحرب الضروس الحالية على أنها جزء مما مضى من صراع الأنبياء (عليهم السلام) ضد المستكبرين والظلمة، وزن لها مردودها الفاعل فيما سيأتي في هذه المنظومة، وأثرها سيكون قويًا في الصراع مع المستكبرين في المستقبل.
المطلب الثاني: مقاربات تفسيرية في مفاهيم النصر والشهادة.
إنّ التأسيس لمقاربة الجهاد تقتضي التسليم بوجود جزئيات ثابتة ومؤثرة لا يمكن التنازل عنها، فهي من المكوّنات البنيوية للجهاد، وليست طارئة عليه، وبعبارة أكثر وضوحًا فإنّ معادلة النصر، والشهادة تقتضي الإيمان بوجود الابتلاء، والخسارة المادية، والتسليم بوجودها يفترض هيمنة الفعل الواقعيّ، والتخطيط الواقعيّ للعمل الجهاديّ.
في تفسير قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٦] يقرأ سماحته حتمية وقوع البلاء الإلهيّ في ساحة الجهاد، ويربط بين الجهاد، ووقوع الابتلاءات، وقيمة ذلك كلّه، أو فلنقل: إنه يتساءل عن غاية الابتلاء في الساحة الجهادية، ويرى أنّ الابتلاء قيمة امتحانية واجبة لاستمرار الجهاد “والمفهوم من الآية هو أنّ الله لن يترك المسلمين قبل أن تمتاز الفئة التي قطعت كلّ صِلاتها بغير الله ورسوله وانصرفت إلى الجهاد، وهذه الفئة سوف تظهر بالتدريج نتيجة الغربلة التي يتعرض لها المسلمون والامتحانات التي يتجاوزونها، وسوف يؤدّي ذلك إلى ظهور هذه الجماعة وتميزها داخل المجتمع الإسلامي” [17].
في تفسير قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا﴾ [ الممتحنة: ٤] يربط سماحته بين الفعل الجهادي والارتباط بالله تعالى والتوكل عليه؛ بمعنى أن هذا الارتباط شرط لازم لا يمكن تركه، قال: “وهنا لا بد من الإشارة إلى هذه المسألة وهي: إذا كانت العداوة مع الأعداء تؤدي إلى متاعب كثيرة وتؤدي إلى مشاكل جمة، فهي في الوقت نفسه تُكلّل بالهدوء والطمأنينة وتقدم الراحة للإنسان المعادي للأعداء، حتّى لو كان العدو في نهاية المطاف سوف يؤذي جدا هذا الإنسان المؤمن، إلا أنّ هذا الإنسان سوف يجد الراحة والطمأنينة” [18]، هذا الارتباط لا علاقة له بالنتيجة، وإنما هو متعلّق بمفهوم الجهاد نفسه، فهو خارج من معادلة النصر، والشهادة، وكلامه هذا كأنه قراءة كاشفة لما جرى من استشهاد ثلة من القادة المجاهدين؛ فتحقق شرط التوكل يضمن ضبط معادلة الشهادة مقابل الانتصار، وليس الهزيمة مقابل الانتصار، فالطمأنينة والسكون مصدرهما التوكل، واحتساب الإيمان بقضاء الله وقدره، وليس بحسب الموازين المادية.
يضعنا الإمام الخامنائيّ (دام ظله) أمام مقاربة خطيرة؛ وهي اختبار الذات تجاه المحن والامتحانات، وفي تفسيره قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١١]يضع عنوانًا هامّا ومثيرًا هو (كلنا في معرض اختبار قبول الحقيقة) يثير فيه تساؤلات عن غفلة خداع النفس الدخول في الامتحان الصعب، إيمانًا منها بانحيازها للحقّ من دون اختبارات حقيقية وصعبة، وفي ذلك يقول: ” فنحن جميعًا – وأنا وأنتم كلكم – سوف نُمتحن دوما بهذا الامتحان. حين تُطرح حقيقة ما ولا تكون منسجمة مع جانب من مشاعرنا وميولنا وإدراكاتنا أو مع عبادة الذات أو الادعاءات الخاصّة أو مع ذاك العلم الذي وصلنا إليه أو مع تلك السوابق التي نرى أننا نمتاز بها عن الآخرين – كالسوابق النضالية – أو مع الآمال والتوقعات التي رسمناها لأنفسنا في مقابل هذه الحقيقة، فماذا سيكون موقفنا؟ فإما أن ندوس على كلّ تلك المشاعر والدوافع الخاطئة والإدراكات الباطلة، ونسلّم لهذه الحقيقة ونسلك دربها ونتقدم إلى الأمام، وإما أن نستسلم لأحاسيسنا ومشاعرنا ولا نسلم لهذه الحقيقة، فتكون النتيجة ﴿فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضًا﴾، فتزداد فينا حالة النفور والبعد والانفصال وتتفاقم، بحيث تصل عاقبة أمرنا إلى نقطة اللا عودة إلى حيث لا يعود هناك من علاج لمرضنا أنفسنا. وهذا الامتحان سيلازمنا في كل خطوة نخطوها على هذا الطريق” [19]، هذا التحذير العميق يجعلنا أمام محاسبة آنية مبرمجة ومستمرة للذات حتى لا تقع في مهلكة قبول الأفكار المنحرفة، والدفاع عنها وسط الغفلة، فالقبول بحقيقة الاختبار نفسه تضمن عدم الانهيار، وتوجيه الحرب الناعمة بضبط هذا المسلك مهم جدًا، فقد وقع كثيرون في الإرجاف بسبب غفلتهم عن شمولهم بهذه الامتحانات المتعاقبة.
إنّ الوعي بالقيم الحقيقية لجواهر هذه المقولات، ومنها الشهادة والنصر يمنحنا القدرة على تفهم ما تؤول إليه الحرب، وما يفرضه الجهاد، أن نتساوى مع العدو في اتحاد المفاهيم وقيمها يلغي المعركة أصلًا، ويجعلها عبءًا وعبثًا، لكنّ التمايز الذي تفرضه الإيديولوجيا الثورية وقيم الإسلام المحمديّ الأصيل تجعل من المفاهيم مفترق طرق، ونقاط اختلاف جوهرية، وفي هذا المجال يفسّر الإمام الخامنائيّ (دام ظله) قيمة الوعي بالموت على حقيقته قائلًا: “أيّها السادة لا تخشوا الموت. فالموت حادثة طبيعية، تصيب كل إنسان، كما تصيب كل موجود، وسوف يأتي إلينا الموت في يوم من الأيام” [20]، هذه الحقيقة الثابتة لا بدّ من السعي لتحويلها إلى قيمة، فيكمل الإمام الخامنائيّ (دام ظله) قائلًا: “وعليكم السعي ليكون موتكم موتًا قيّمًا. كموت الشهداء، كموت القتلى في سبيل الله، لموت هؤلاء قيمة وأهمية” [21] ، كأنه يقول: إنّ الموت في حد ذاته قيمة تكوينية يتساوى فيها الخلق جميعًا، ولكن هذا التساوي سلبيّ؛ لأنه الحدّ الفاصل في الاختبار، ومع اختيار نوع الموت فإن الاختبار سيكون ناجحًا، أو فاشلًا؛ فقد “يموت الإنسان في حادث سير، إثر اصطدام سيارته بعمود أو شجرة أو قد يسقط في مكان ما، وهذا موت، ولكنّه موت لا يُعتدّ به. نعم إذا كان هذا الشخص في سفر في سبيل الله، تتبدل القيمة، أما السفر العادي والموت فيه، فهو من الأمور العادية التي لا يحسب لها حساب ولا تدخل في دائرة التقويم الإيجابي. أما عندما يهتف الدين بالإنسان ويطلب منه العون والنجدة، ويسعى الإنسان في سبيل نجدته ونصرته، ويموت في هذا السبيل، فهذا موت له قيمة، هو موت في نصرة الدين دماء الشهداء هي الماء الذي يروي شجرة الفضيلة والمعنوية، وهي الضمانة لبقاء جميع المثل العليا. اختاروا الموت الجيد” [22]. فالشهادة وفق هذه المنظومة القيمية التي يطرحها الإمام الخامنائيّ (دام ظلّه) هي التي تمنح الموت قيمته العليا.
يطرح الإمام الخامنائيّ (دام ظله) فكرة الانتصار وارتباطها بالأنبياء (عليهم السلام) فيقول، وهو يضع عنوانًا مهمًا لتفسير سورة الصف (انتصار جميع الأنبياء الإلهيين في تحقيق أهدافهم): “ثم تكمل الآيات التي أشارت إلى أولئك الذين لم يؤمنوا بالنبي ولم يقبلوا رسالته، ولم يصدّقوه مع أنّهم لم يُدعوا إلا إلى الإسلام، فاعتبروا كلّ ما قدمه النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهم سحرًا، ولم يكونوا مستعدين أن يصدقوا برسالته باعتبارها هداية إلهية. … حيث يقول الله تعالى أنّ لا فائدة من عملهم، وإنّهم مهما سعوا في هذه الدنيا لكي يطفئوا نور الله ودين الإسلام فإنّ سعيهم سيذهب هباء؛ لأنه سبحانه وتعالى يدافع عن دينه، وسوف يتم الله نوره وفق السنن التاريخيّة وسنن عالم الوجود. وهذا ما نراه نحن على امتداد التاريخ” [23] ، ويطرح بعد ذلك مقاربة عقدية في جدوى جهاد الأنبياء (عليهم السلام) وارتباط ذلك بالنتيجة المرجوّة من الجهاد، وهل الانتصار هو الهدف المرجوّ من ذلك، فقال: “ويعدّ أحد أهم الأبحاث في باب النبوة، أنه هل أن هدف الأنبياء الذي هو الوصول لبناء المجتمع الإلهي والإسلامي وإلى هداية الإنسان سيتحقق في نهاية المطاف أم لا؟ هل سيصل هؤلاء الأنبياء سلسلة النبوة هذه – إلى أهدافهم أم لا ؟ هل ينتصر دين الله في النهاية أم لا؟ وهذا أحد أبحاث باب النبوّة في ذلك البحث نصل إلى نتيجة وهي أن بناء العالم وإرسال الأنبياء الإلهيّين والكتب السماوية وعرض الإيمان في المجتمعات البشرية، الذي هو هدف الأنبياء” [24].
والإيمان بهذه الجزئية الصغيرة يتطلب اليقين التام بها، وهذا اليقين عابر للزمن يلزم منه التوكل على الله في تحديد الوقت المناسب للانتصار، فـ”كل ذلك سوف يتحقق في وقته المحدد، غاية الأمر هناك شرائط على البشرية أن تؤمنها لتصل إلى ذلك الهدف والمقصد، فعلى امتداد الفترات التاريخية المختلفة، أحيانًا لا تتوفر هذه الشرائط بشكلها الكامل ممّا يؤدّي إلى تأخير تحقق الهدف”[25].
ومن ثم يضع الإمام الخامنائيّ (دام ظله) مقاربة هامة تقف إلى جانب هذه المقاربة الحاكمة بحتمية انتصار الأنبياء (عليهم السلام)، وهي فكرة تأخير الانتصار، وعرقلته، ويحدد سماحته زاوية خطيرة في العمل الجهاديّ يعنونها بفقرة ملفتة للانتباه؛ هي (دور تقصير مؤمني جبهة الحقّ في زوال إنجازات الأنبياء)، وهو عنوان غريب يختصر تقييم سماحته للعمل الجهاديّ تاريخيًا عبر الزمان، إذ يرى أن تبعية المجابهة بلا وعي حقيقي يعادل الخسارة، يقول: ” نعم؛ من الممكن أن تتأخر الأهداف، وذلك بسبب عدم سعي المؤمنين وعدم توفّر الشرائط اللازمة، أو قد نخسر في عصر من العصور كل ما حصلنا عليه بسبب الاضطرابات والتقصير والقصور، وهذا ما جرى” [26]. وهي قراءة واعية واستشراف يعتمد القراءة الموضوعية لحركة الجهاد الذي قدّمه الأنبياء (عليهم السلام)، وهو مع ذلك يضع فكرة الانتصار في مسارين؛ الأوّل واقعي يعتمد التخطيط الإلهيّ محكوم بالانتصار، والثاني منهما واقعي وفق الظروف التي تصطدم بها، وأهمها تقصير المؤمنين في زداء الجهاد، قال: “فعلى امتداد التاريخ، هناك نبي الله سليمان، وهناك داوود ويوسف (عليهم جميعًا سلام الله) الذين حكموا العالم أو قسمًا مهما منه، واستطاعوا تطبيق الدين الإلهي، ولكن بعد أن قصر المؤمنون في أعمالهم، ولم يقوموا بما كان ينبغي لهم، ولم يستمروا بجهادهم وسعيهم، فقد ذلك المقطع الزمانيّ الخاصّ، وفُقِدَتْ تلك الثمرة التي أثمرت لمرحلة معينة” [27].
والقراءة التكاملية لدى سماحته تفترض أنّ هذين المسارين لا يتقاطعان، وإن بدا ذلك لغير المتبحر في سيرورة حركة الأنبياء (عليهم السلام)، وجهادهم، فيقول: ” لكن الحركة العامة للأنبياء نحو ذلك الهدف النهائي، الذي هو فلاح البشرية وصلاحها وتحقيق المجتمع التوحيدي والنبويّ، لم تفشل وتتوقف، بمعنى أنه عندما يأتي نبيّ يكون وجوده في الحقيقة وبعثته ثمرة الجهود ودعوة النبيّ السابق عليه. فالنبيّ السابق كان يسعى لهداية الناس، وأن يدفع بهم خطوةً إلى الأمام، وهذا ما حصل، فالنبي الذي جاء بعده أخذ بمسير الناس خطوة إلى الأمام” [28].
في فهم معنى غلبة الله ورسله (عليهم السلام) يشير سماحته إلى فهمين لهذه الغلبة، وهما الغلبة الفكرية، والغلبة المادية، ويطرح في عنوان الغلبة الفكرية مقاربة الشهادة والانتصار، ويمثل لذلك بأمثلة تقريبية للأذهان، ومنها شهادة الأنبياء (عليهم السلام)، والعلماء الصالحين، يقول: “أمّا كيف ستكون هذه الغلبة؟ فقد يُقال أَوَلم يُنشر النبي ذكريا (عليه السلام) بالمنشار في جذع الشجرة إلى نصفين؟ فكيف كانت له الغلبة؟ أَوَلَم يُقطع رأس النبي يحيى (عليه السلام) من الوريد إلى الوريد؟ فأيّ غلبة هذه؟” [29]، وهذه الفقرة مذهلة في استشراف سماحته لساحة الجهاد، والمقاومة، وقراءته الواعية لمسيرتها الجهادية، وكيفية الربط لمتلازمة (الشهادة، والخسارة) مقابل مقولة النصر.
فالنصر المتحقق هنا هو النصر الفكريّ وانهزام الطاغوت فالحرب ليست في مفهومها الجهادي مجرد اصطراع للماديات، بل هي اصطراع للمفاهيم، والقيم، يقول: “أمر يتطلّب شيئًا من الدّقة. ولكن عندما ننظر إلى النبي يحيى (عليه السلام)، وإلى النبي زكريا (عليه السلام)، وإلى النبي عيسى (عليه السلام)، الذي رُفع من بين الناس إلى السماوات، ومثلًا إلى النبي لوط (عليه السلام) الذي آذاه قومه بذاك النحو، وإلى سائر الأنبياء الآخرين، فإنّنا نرى أنّهم انتصروا جميعًا في المعنى، ونصرهم كان لأنهم قاتلوا من أجل أن يحكم فكر معين ومعرفة بعينها، فهل النبي زكريا (عليه السلام) يريد أن يصير هو الملك؟! لم يكن يجاهد من أجل مُلكيّتِه هو، ولم يكن يمضي دون توقف في سبيل نفسه، بل كان لديه فكر وكان لديه نمط من التفكّر كان يريد له أن يكون مقبولًا من الآخرين، وأن يكون حاكمًا على حياتهم، وهذا ما حصل. فعندما يأتي رسول الإسلام ويُؤسّس حكومةً ينضوي تحت لوائها شرق العالم وغربه وتكون مبنيّةً على أسس الفكر الإلهي، فهذا يعني أنّ زكريا قد انتصر، وأنّ يحيى قد انتصر، وأنّ جميع الأنبياء قد انتصروا” [30].
الخاتمة:
ينتقل سماحة الإمام الخامنائيّ (دام ظله) بالتفسير من الوعي المفاهيميّ للنصوص إلى تطبيقات ومصاديق حقيقية له، وفي ضوء الأحداث الفاعلة والمؤثرة التي تمثلت باستشهاد ثلة من أعظم المجاهدين في سبيل الله صار لزامًا بيان بعض من رؤية سماحته لتداخل هذه المقولات الراهنة؛ وهي النصر والشهادة والخسارة، وقد حاول البحث الاعتماد على نصوص سماحته لتفكيك مقولة الجهاد، وهي المقولة الكبرى الحاضنة للمقولات الثلاثة، وقد رصد البحث على العجالة مجموعة من القيم القرآنية التي تخصّ قيمة الجهاد في رسم الحضارة وبنائها، وما في سنن الله تعالى من نصر الرسل والأنبياء (عليهم السلام)، وبيّن البحث أن واحدة من أهم الركائز في الانتصار والخسارة هو الاعتماد والتوكل على الله والاعتقاد التام بكون النصر حتميّ لا يتخلف وفي إطار ذلك تتهاوى مقولة الخسارة.
المصادر:
- القرآن الكريم.
- تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري [ت ٥٣٨ هـ]، ضبطه وصححه ورتّبه: مصطفى حسين أحمد، دار الريان للتراث بالقاهرة – دار الكتاب العربي ببيروت، ط/٣، ١٤٠٧ هـ – ١٩٨٧ م.
- تفسير سورة البقرة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: السيد عباس نور الدين، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م.
- تفسير سورة التغابن، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: الشيخ ياسر طفيلي، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م.
- تفسير سورة الجمعة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: الشيخ محمد زراقط، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م.
- تفسير سورة الحشر، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: الحاجة سمية يوسف، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م.
- تفسير سورة الصف، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: السيد علي مرتضى، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م.
- تفسير سورة الفاتحة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: السيد إسماعيل الهبش، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م.
- تفسير سورة المجادلة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: د. رلى السعيدي، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م.
- تفسير سورة الممتحنة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: السيد علي مرتضى، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م.
- تفسير سورة المنافقون، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: الحاجة سمية يوسف، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م.
- تفسير سورة براءة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: الشيخ محمد زراقط، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م.
- جهاد التبيين في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، مركز المعارف للتأليف والتحقيق، دار المعارف الإسلامية الثقافية، ط/ ١، ٢٠٢٤م.
- الحياة بأسلوب جهاديّ، تجميع لمقولات للإمام الخامنئيّ (دام ظله)، تجميع وتنسيق: محمد تاجيك رستمي، تعريب: الشيخ محمد جمعة العاملي، دار الوفاء للثقافة والإعلام، ط/١، ٢٠٢٢م.
- خطاب الولي ٢٠١٠، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، لبنان، ط/١، ٢٠١١م.
- خطاب الولي ٢٠١٤، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، لبنان، ط/١، ٢٠١٥م.
- دروس في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، مركز المعارف للتأليف والتحقيق، دار المعارف الإسلامية الثقافية، ط/١، ٢٠٢٣م.
- لطائف الإشارات = تفسير القشيريّ، عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (ت ٤٦٥هـ)، تحقيق: إبراهيم البسيوني، الهيئة المصرية العامة للكتاب – مصر، ط/٣، بلا معلومات.
- مدخل إلى المنظومة الفكرية للإمام الخامنئيّ (دام ظله)، الشيخ علي الشيرازيّ، ترجمة: فاطمة شوربا، مركز المعارف للترجمة، دار المعارف الإسلامية الثقافية، ط/١، ٢٠٢١م.
[1] مدخل إلى المنظومة الفكرية للإمام الخامنئيّ (دام ظله)، الشيخ علي الشيرازيّ، ترجمة: فاطمة شوربا، مركز المعارف للترجمة، دار المعارف الإسلامية الثقافية، ط/١، ٢٠٢١م: ١٣٤.
[2] جهاد التبيين في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، مركز المعارف للتأليف والتحقيق، دار المعارف الإسلامية الثقافية، ط/ ١، ٢٠٢٤م: ١٣٤
[3] الحياة بأسلوب جهاديّ، تجميع لمقولات للإمام الخامنئيّ (دام ظله)، تجميع وتنسيق: محمد تاجيك رستمي، تعريب: الشيخ محمد جمعة العاملي، دار الوفاء للثقافة والإعلام، ط/١، ٢٠٢٢م: ٢٣.
[4] خطاب الولي ٢٠١٠، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، لبنان، ط/١، ٢٠١١م: ١٠٨.
[5] خطاب الولي ٢٠١٤، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، لبنان، ط/١، ٢٠١٥م: ٨٨.
[6] دروس في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، مركز المعارف للتأليف والتحقيق، دار المعارف الإسلامية الثقافية، ط/١، ٢٠٢٣م: ٧٣.
[7] سورة الدهر: ٧-١٠.
[8] تفسير سورة براءة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: الشيخ محمد زراقط، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م: ٥٩.
[9] المصدر نفسه: ٥٩.
[10] تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري [ت ٥٣٨ هـ]، ضبطه وصححه ورتّبه: مصطفى حسين أحمد، دار الريان للتراث بالقاهرة – دار الكتاب العربي ببيروت، ط/٣، ١٤٠٧ هـ – ١٩٨٧ م: ٢/ ٢٥٢.
[11] تفسير سورة الفاتحة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: السيد إسماعيل الهبش، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م: ٧١.
[12] المصدر نفسه: ٥٩.
[13] تفسير سورة الحشر، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: الحاجة سمية يوسف، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م: ١٤٨.
[14] تفسير سورة المنافقون، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: الحاجة سمية يوسف، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م: ١٠٤.
[15] المصدر نفسه. يمكننا بمقارنة بسيطة بين فهم الإمام الخامنائيّ (دام ظله) للقرآن، والفهم التقليديّ أن سماحته يجرّ التفسير إلى حيّز الواقع، فنصّ مثل: “الذين تبدّلت بهم الأحوال فقاموا وسقطوا ثم انتعشوا ثم ختم بالسوء أحوالهم، أولئك الذين قصمتهم سطوة العزة حكما، وأدركتهم شقاوة القسمة خاتمة وحالا- فالحقّ سبحانه لا يهديهم لقصد، ولا يدلهم على رشد، فبشّرهم بالفرقة الأبدية، وأخبرهم بالعقوبة السرمدية” يعطينا انطباعًا عن انقطاع مفاهيم القرآن الكريم عن مصاديقها في كتب التفسير، إلا ما يصطاده الحاذق الخبير، لطائف الإشارات = تفسير القشيريّ، عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (ت ٤٦٥هـ)، تحقيق: إبراهيم البسيوني، الهيئة المصرية العامة للكتاب – مصر، ط/٣، بلا معلومات: ١/ ٣٧٤.
[16] تفسير سورة التغابن، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: الشيخ ياسر طفيلي، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م: ٥٦.
[17] تفسير سورة براءة: ٦٤.
[18] تفسير سورة الممتحنة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: السيد علي مرتضى، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م: ٥٠.
[19] تفسير سورة البقرة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: السيد عباس نور الدين، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م: ١٣٥.
[20] تفسير سورة الجمعة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: الشيخ محمد زراقط، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م: ١١٧.
[21] المصدر نفسه.
[22] المصدر نفسه.
[23] تفسير سورة الصف، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: السيد علي مرتضى، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م: ٤٩.
[24] المصدر نفسه.
[25] تفسير سورة الصف.
[26] المصدر نفسه: ٥٠.
[27] تفسير سورة الصف.
[28] المصدر نفسه.
[29] تفسير سورة المجادلة، الإمام السيد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ، ترجمة: د. رلى السعيدي، مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئيّ، طهران، ط/١، ٢٠٢٤م: ١٠١.
[30] المصدر نفسه: ١٠٢.
Leave a Comment
Your email address will not be published. Required fields are marked with *