مقالة / اسقاطات حضارية

اسقاطات حضارية
د. محمد البنداوي
احتدم النقاش في الغرب في تحديد مفهوم المثقف فذهب قسم الى انحصاره بالعالم بالعلوم الانسانية ،لان الثقافة (Culture ) تخص المنتج الفكري ، ومايصل اليه العقل من نتائج في علم الاجتماع (Sociology ) او علم الانسان (Anthropology) او غيرها من انواع العلوم الانسانية المختلفة ، وذهب قسم اخر الى ان هذا المفهوم يخص العالم بالعلوم التجريبية وماوصلت اليه التكنولوجيا من تطور علمي في هذا المجال ، وعلل ذلك بان الثقافة (Culture ) هي عبارة عن الحضارة الانسانية (human civilization ) والحضارة ليست الا التقدم العلمي في مظاهر الحياة الذي يبنيه هذا التقدم .
وترجع خلفية هذا الاختلاف في الرؤية (Vision ) الى ما احدثته الثورة الصناعية (The industrial revolution ) من قلب للمفاهيم والتصورات عند المفكرين الغربيين ، ويبدو ان النتيجة حسمت اخيرا لصالح الرأي الثاني ، ولعل السبب في ذلك يرجع الى جملة الامور التي حدثت في القرن السابع عشر وما بعده حيث ادى تسلط الكنيسة وتعجرفها الى الثورة عليها ودخول الغرب فيما بعد فيما اسموه بعصر النهضة (The Renaissance )، سيما ان الانسان الغربي قد لاحظ اثار التقدم الذي حصل بسبب الثورة الصناعية وتلمس اثاره على واقع الحياة الاجتماعية من تقديم وسائل الرفاهية المستمر والمتصاعد في المجتمع .
والخلاصة ان علوم المختبر والمصنع كان لها القول الفصل وظلت العلوم العقلية الانسانية تتطور في تنظير المناهج البحثية في اللسانيات وغيرها، لكنها لم تحظ من الاهتمام المجتمعي ماحظيت به اختها من العلوم التجريبية، خصوصا بعد الخطوات العملاقة التي خطتها في علم النانو (nanotechnology ) .
وقد تفاعل عالم الشرق، والاسلامي منه بالذات، مع هذه النتيجة باعتبار ان التطور العلمي الانساني لابد ان يلقي بظلاله على تعامل المجتمعات بشكل عام مع هذا التطور، فتنقسم على هذا هذا الاساس الى قسمين؛ منتجة لتفاصيل هذا التقدم ، ومستهلكة له ، وكانت حصة العالم الاسلامي هو الاستهلاك، مما انعكس على الفرد المسلم ايجابا من ناحية استخدام الوسائل الحضارية المتطورة ، فتغير شكل حياته درجات حضارية مختلفة عما سبق، و سلبا بصيرورته تحت وطأة تبعية الاستهلاك من الغير الذي يضفي شعور الدونية والنقص عند المستهلك والانبهار بما يصدره المُنتِج ، وهذا الشعور بالنقص سيؤدي بتراكمه الى الحنق على الواقع الذي يعيشه فيلقي باللوم على المبتنيات الفكرية والعقدية التي يتبناها المجتمع ، اي انه سيلقي باللوم في النهاية على الدين ومن يتصدى لنشر المنظومة الدينية ، وهذا مايراد له ان يحصل من تسقيط للاشكالية الكنيسية التي حصلت في الغرب ابان القرون قبل السابع عشر وانتهت الى الثورة الصناعية التي اخذت الانسان الغربي الى احضانها الفكرية تحت راية العلم مبعدة له عن شيء اسمه الدين .
وهذا الامر الخطير يحتم على المجتمع الاسلامي ضرورة الالتفات الى اهمية التقدم العلمي، والعمل بكل الاشكال على تحصيله وبوتائر متصاعدة قافزة ، والا فالنتيجة ستكون حتما هي ذات النتيجة الكنسية ان لم تكن اسوء .

المحرر
ADMINISTRATOR
PROFILE

المنشورات الأخرى

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

المنشورات الأخيرة

المحررون

الأكثر تعليقا

المقاطع المرئية